في إدلب، حيث تعصف الحرب بالمدينة وتنتشر آثار الدمار في كل زاوية، تتجسد قصة الصمود الحقيقي في حياة النساء، بين جدران المنازل المتصدعة، وتحت سماء تعلوها أصوات الطائرات، تحمل النساء عبئًا ثقيلًا من المسؤوليات اليومية.
فبينما يعاني الرجال من صعوبة إيجاد فرص العمل، تبقى النساء في الصف الأمامي لمواجهة تحديات الحياة: تأمين الغذاء، رعاية الأطفال، والتعليم، والصحة، كل ذلك وسط ظروف قاسية وأزمات متتالية.
دور النساء في تحمل المسؤوليات الأساسية:
في غياب الأمان ووسط الظروف الصعبة، أصبحت النساء في إدلب الواجهة الرئيسية في الحفاظ على استقرار العائلة.
تقول أم أحمد، أم لثلاثة أطفال: “بعد فقدان زوجي في إحدى الغارات، أصبحت المسؤولة الوحيدة عن تأمين معيشتهم، أعمل طوال اليوم في الخياطة وصنع المخبوزات لتأمين لقمة العيش”.
في هذا السياق، لا يقتصر دور المرأة على تأمين الطعام، بل تتولى أيضًا إدارة شؤون المنزل بشكل كامل.
إدارة الصحة والرعاية في الظروف الطارئة:
تعد الرعاية الصحية واحدة من أكبر التحديات التي تواجه النساء في إدلب، يقول الطبيب محمد، طبيب عام في مدينة أريحا: “المرافق الصحية تفتقر إلى الأدوية والمعدات اللازمة، والمستشفيات غير مجهزة بشكل كافٍ”.
في ظل هذه الظروف، تتولى النساء العناية بصحة أفراد عائلاتهن، سعاد، أم لخمسة أطفال، تقول: “عندما يمرض أحد أطفالي، أضطر للاعتماد على العلاجات المنزلية أو الأعشاب، لأن الأدوية شحيحة وأسعارها مرتفعة جدًا”.
تتحدى النساء صعوبة الظروف ويواصلن تقديم الرعاية لأسرهن بطرق مبتكرة ومحدودة.
التحديات الاقتصادية والبحث عن مصادر دخل:
البحث عن مصدر دخل في إدلب أصبح تحديًا يوميًا للنساء، في غياب الوظائف الثابتة وارتفاع تكاليف المعيشة، بدأت العديد من النساء في العمل من منازلهن.
أم يوسف، التي تدير مشروعًا صغيرًا لبيع المخبوزات من منزلها، تقول: “بعد أن دمرت الحرب مشروعي السابق، بدأت أعد المخبوزات وأبيعها لأعيل عائلتي، هذا المشروع يوفر لي بعض المال ويخفف من الأعباء الاقتصادية”.
مشاريع مثل هذه تجسد قدرة المرأة على التكيف مع الظروف والبحث عن فرص جديدة لتحقيق الاستقلال المالي.
التعليم في ظل الظروف الصعبة:
تأثر التعليم بشكل كبير بسبب تدمير العديد من المدارس وصعوبة التنقل. أصبحت النساء في إدلب، خاصة الأمهات، يتحملن عبء تعليم الأطفال.
مريم، معلمة سابقة وأم لثلاثة أطفال، تقول: “نستخدم الكتب القديمة ونحاول تعليم أطفالنا باستخدام وسائل بسيطة مثل الضوء الخافت للشموع. نعلمهم لأننا نعلم أن التعليم هو سلاحهم الوحيد لمستقبل أفضل”.
بهذه الطريقة، تثبت النساء أن التعليم لا يمكن أن يتوقف رغم الظروف الصعبة.
قصص ملهمة لصمود النساء:
تتعدد القصص التي تبرز صمود النساء في إدلب، ورغم الظروف القاسية، يستمر البعض في تحدي الواقع.
خديجة، أم لطفلين، قررت تعلم الخياطة بعد فقدان زوجها تقول: “تعلمت الخياطة عبر الإنترنت. وأصبحت الآن أملك مشروعي الخاص وأساعد في تأمين احتياجات أطفالي”.
مثل هذه القصص تلهم الآخرين وتؤكد أن الإرادة القوية يمكن أن تتغلب على أصعب الظروف.
رغم التحديات اليومية التي تواجهها النساء في إدلب. يظل صمودهن وإصرارهن على العيش والحفاظ على استقرار أسرهن مثالًا حيًا على القدرة البشرية على التكيف مع الأزمات. قصصهن تروي حكاية صمود لا مثيل لها في مواجهة القهر، وتثبت أن الحياة تستمر رغم كل الصعوبات.