تفيد الأنباء الواردة من محافظة دير الزور شرق سوريا، بموجة غير مسبوقة من الفرار الجماعي في صفوف العناصر المحلية التابعة لميليشيا “حزب الله” اللبناني، وسط تصاعد حدة الضربات الجوية الإسرائيلية وعمليات التحالف الدولي في المنطقة.
وحسب الأنباء الواردة فإن عشرات العناصر المحلية العاملة مع الميليشيا قد لاذت بالفرار من مواقعها العسكرية في المحافظة، في أعقاب قرار القيادة المركزية للميليشيات المدعومة من إيران بنقل غالبية عناصر “حزب الله” اللبناني إما إلى مواقع بديلة أو إعادتهم إلى الأراضي اللبنانية، مما ترك المقاتلين المحليين في مواجهة التهديدات المتزايدة بمفردهم.
كما تفيد الأخبار الآتية بحالة من الذعر تسود صفوف المقاتلين المحليين، خاصة في ظل تكثيف الغارات الجوية الإسرائيلية على المواقع العسكرية التابعة للميليشيات الإيرانية في المنطقة، بالتزامن مع عمليات التحالف الدولي المستمرة.
وفي تحليل شامل للوضع الميداني، قدّم الكاتب والأكاديمي عبد الرحمن الحاج صورة مفصلة عن حجم النفوذ الإيراني في سوريا، حيث أشار إلى أن نحو 70% من إجمالي الوجود العسكري الأجنبي في البلاد يخضع للسيطرة الإيرانية المباشرة.
وأوضح الحاج في منشور له على حسابه في فيسبوك، أن انتشار قوات الحرس الثوري الإيراني، بما فيها عناصر “حزب الله” اللبناني، يمتد على رقعة جغرافية واسعة تشمل 14 محافظة سورية، مع تركيز استراتيجي في أربع مناطق رئيسية، ومنها المنطقة الشمالية وتضم محافظتي حلب وإدلب وتحتوي على ما يقارب 145 نقطة وقاعدة عسكرية، كما تشكل مركزاً استراتيجياً للنفوذ الإيراني قرب الحدود التركية.
ومن المناطق الأخرى، محور ريف دمشق والجنوب السوري، ويشمل محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، حيث يضم نحو 165 نقطة وقاعدة عسكرية، ويعتبر الأكثر كثافة من حيث التواجد العسكري.
وفي المنطقة الوسطى التي تغطي محافظات حمص وحماة وطرطوس، فهي تحتوي على قرابة 105 نقطة وقاعدة عسكرية، وتمثل خط الدفاع الاستراتيجي للنظام السوري.
أمّا محور دير الزور، فيضم نحو 80 نقطة وقاعدة عسكرية ويشكل مركزاً حيوياً للنفوذ الإيراني في شرق سوريا، حيث يعاني حالياً من اضطرابات وانسحابات متتالية.
وفي رصد للتغيرات الميدانية الأخيرة، أشار الحاج إلى أن معظم التحركات العسكرية الأخيرة كانت في إطار إعادة الانتشار التكتيكي، حيث تم إخلاء عدد من المواقع في القنيطرة لصالح القوات الروسية، تسليم مواقع استراتيجية في دير الزور لقوات النظام السوري، إعادة توزيع القوات في مناطق مختلفة تجنباً للاستهداف المباشر.
وحول ذلك، قال الناشط السياسي والحقوقي، مالك عبيد لمنصة SY24: “شهدت مناطق دير الزور في الآونة الأخيرة عدة استهدافات اسرائيلية خاصة في مراكز تموضع حزب الله والميليشيات التابعة لإيران والمنضوية تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني والمدعومة عسكرياً بالإضافة للميليشيات المحلية التي انضمت مؤخراً للمليشيات الشيعية القادمة من العراق مثل زينبيون وفاطميون وعصائب أهل الحق ومن لف لفيفهم، مما أدى ذلك إلى خلق حالة من الذعر والخوف لهذه المليشيات وبالتالي عودة القسم التابع لمليشيات حزب الله اللبناني إلى المناطق القريبة من الحدود اللبنانية وانتشارها في حمص والقصير”.
وأضاف: “أما المليشيات المحلية والرديفة فقد سارعت في الهروب والانشقاق عن المليشيات العابرة للحدود، ويبدو أن القرار اتخذ من قبل اسرائيل بالقضاء على هذه المليشيات وملاحقتها في العمق السوري وفي الشرق لطردها بشكل كامل، حيث ادركت الحاضنة لهذه المليشيات المحلية بأنها مهددة أيضاً بالضربات الإسرائيلية وبالتالي بدأت بالنأي عن نفسها وإبعاد العناصر الذي انتسبت لهذه المليشيات من العشائر”.
وتابع: “ولقد حصلت مؤخراً أحداث في مناطق البوكمال بين العشائر وخاصة عشيرتي الحسون والمشاهدة حيث بعض أبنائها انتسب لهذه المليشيات واستقروا بها لنصب حواجز على بعض المداخل وأخذ الإتاوات من المواطنين من أهالي المنطقة، ولا تزال هناك توترات ما بين تلك العشائر وعلى ما يبدو بأن هذه العشائر أدركت أنها هي الخاسر الأكبر ما بين قوات النظام والمليشيات الإيرانية، لذا بدأت تعدل بوصلتها نحو النأي بالنفس وإبعاد المليشيات الإيرانية وفك الارتباط معها وحماية مناطق نفوذها الممتدة من ريف دير الزور الشرقي حتى الحدود العراقية، وهي مساحة كبيرة نسبياً وقريبة من منابع النفط، ونتيجة لذلك بدأت ترتب أوراقها في المنطقة وتعزز نفوذها بما يخدم هذا المكون العشائري الكبير من قبيلة العكيدات، وعلى ما يبدو هي صحوة النزع الأخير من المشهد المأساوي التي تشهده المنطقة برمتها”.