تشهد العاصمة السورية دمشق ومنذ الأيام القليلة الماضية حراكاً دبلوماسياً إيرانياً غير مسبوق، في مؤشر واضح على تنامي المخاوف الإيرانية من تحولات استراتيجية محتملة في المشهد السوري.
واستقبل رأس النظام السوري بشار الأسد، قبل أيام، وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده، في زيارة تأتي بعد أيام قليلة من زيارة مماثلة قام بها مستشار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي لاريجاني.
وتزامنت هذه التحركات مع تصاعد الضربات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع للميليشيات الإيرانية في سوريا.
وتطرح تلك الزيارات تساؤلات عدة حول المخاوف التي تشعر بها طهران ومن أجل ذلك تكثف من زياراتها إلى دمشق، في حين يرى مراقبون أن إيران تواجه تحديين استراتيجيين رئيسيين في الساحة السورية، الأول هو تنامي التقارب العربي مع دمشق مما قد يؤثر على مستقبل النفوذ الإيراني، والثاني ضمان استمرار خطوط الإمداد اللوجستية عبر الأراضي السورية.
وفي السياق، تكشف التقارير الميدانية عن تراجع في مستوى الحماية التي تتمتع بها المواقع المرتبطة بإيران وحلفائها في سوريا، مما يشير إلى تحول محتمل في السياسة السورية، إذ يأتي ذلك في وقت يواجه فيه النظام السوري ضغوطاً متزايدة لإعادة تموضعه إقليمياً.
وتشير المعطيات الدبلوماسية إلى وجود توجه دولي وإقليمي لإعادة رسم خريطة النفوذ في سوريا، وقد كشفت تصريحات المبعوث الرئاسي الأمريكي السابق إلى سوريا عن اهتمام أمريكي- إسرائيلي بتطوير العلاقات مع دمشق بهدف تقليص النفوذ الإيراني، وفق محللين.
وتحمل التحركات الإيرانية المكثفة مؤشرات على احتمال دخول المنطقة في مرحلة تصعيد جديدة، حيث تسعى طهران من خلال هذه الزيارات إلى ترتيب أوضاع حلفائها في سوريا وتعزيز التنسيق العسكري والأمني.
وفي هذا الجانب، قال الناشط السياسي مصطفى النعيمي لمنصة SY24: “أعتقد بأن المرحلة القادمة تحمل مزيداً من التصعيد العسكري المتبادل بين محوري الصراع الإسرائيلي والايراني، خاصة وأن طهران ما زالت تستخدم الأراضي السورية منطلقاً لتصنيع وتوريد الأسلحة المرتبطة بمشروع إيران التوسعي، بينما تمثل عملية نقل الأسلحة إلى ميليشيا حزب الله خطا أحمر اسرائيليا لذلك تلجأ تل أبيب الى قطع خطوط الإمداد العسكرية إلى حزب الله من خلال تنفيذ ضربات ساحقة لقوافل الأسلحة، وتوجه رسائل مباشرة إلى دمشق”.
وتابع: “ربما النظام السوري لم يفهم رسائل التحذير الإسرائيلية وما زال النظام يستقدم الوفود السياسية والعسكرية إلى سوريا بالرغم من رسائل التحذير الإسرائيلية لعدم عقد دمشق أي أنشطة تساهم بشكل أو بآخر في عملية التصعيد العسكري الدائرة سواء على الجبهة السورية أو اللبنانية، ولكن النظام السوري على ما يبدو ليس لديه الرغبة أو القدرة على منع تلك الاجتماعات أو وقف التموضع الإيراني في سوريا أو لبنان، وبالتالي أعتقد بأنه سيكون الهدف القادم إسرائيليا وإيرانياً، ويعتمد ذلك على مدى جدية كلا المحورين في تقييم أهمية الجبهة السورية من حيث المخاطر والتهديدات التي ستلحق بهما في حال التموضع أو الضربات”.
بالمقابل وحسب الخبراء، يبدو أن النظام السوري يدرس خياراته بعناية في ظل عروض إعادة الإعمار والتأهيل السياسي المقدمة من الدول العربية، حيث وتشير التقديرات إلى أن دمشق قد تكون منفتحة على إعادة تموضع إقليمي مقابل ضمانات اقتصادية وسياسية.
وفي السياق، رأى النعيمي أن “تل أبيب تريد توجيه مجموعة من الرسائل على المستوى السياسي والعسكري بضرورة منع هذه الاجتماعات التي تجري في سوريا، لكن المحور الإيراني لا يكترث بتلك التهديدات ويُدخل الأسد في أنفاق مظلمة إثر تنفيذ تلك الاجتماعات التي تأخذ الطابع السياسي لكن مضمونها عسكري بحت، وبناء عليه أعتقد بأن المرحلة القادمة ستشهد مزيداً من الضربات ليس فقط في العاصمة السورية دمشق ومحيطها أو ضمن المربعات الامنية وإنما ستشمل مجموعة من الأهداف، منها في المنطقة الوسطى وصولا إلى الشمالية ومنها إلى الشرقية إضافة إلى الجبهة الجنوبية وكذلك جبهة الساحل”.
ووسط كل ذلك، يعتقد مراقبون أن هذه التحركات الإيرانية المتسارعة في دمشق تعكس حجم التحديات التي تواجه المصالح الإيرانية في سوريا، وسط تحولات إقليمية متسارعة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل خريطة التحالفات في المنطقة.