أكدت مصادر متطابقة أن الضربة الإسرائيلية على مدينة تدمر بريف حمص تعتبر الأعنف على مواقع الميليشيات في سوريا منذ عدة أشهر.
وشنت طائرات حربية إسرائيلية ظهر يوم الأربعاء، غارات مركزة على مواقع الميليشيات الإيرانية في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي.
وشملت جنسيات القتلى مقاتلين من العراق وأفغانستان والشيشان وجنسيات أجنبية أخرى، مما يعكس الطبيعة المتعددة الجنسيات للميليشيات المتواجدة في المنطقة. وأشار محللون استراتيجيون إلى أن أهمية تدمر تكمن في موقعها الاستراتيجي على طريق طهران-بيروت ودمشق، وقربها من مواقع الغاز والبترول والفوسفات.
وقال الصحفي خالد الحمصي لمنصة SY24: “لأول مرة يتم استهداف مدينة تدمر التي تعتبر الخط الشرقي الواصل مع العراق والذي يعتبر خط الإمداد الرئيسي العسكري للميليشيات الإيرانية الواصلة من العراق إلى سوريا إلى لبنان”.
وأضاف: “هذه الضربة كان لها تأثير كبير جداً على الميليشيات الإيرانية ويأتي في سياق التحذيرات الإسرائيلية للفرقة الرابعة من مخاطر دعم الميليشيات الإيرانية”، مبيناً أن: “المقر المستهدف هو تحت حماية وإشراف الفرقة الرابعة ويتواجد بداخله عناصر الميليشيات الإيرانية”.
وبيّن أن مهمة ميليشيا “الفرقة الرابعة” هي ترفيق سيارات وآليات الميليشيات وتسهيل الدعم اللوجستي الذي سيدخل إلى مدينة حمص ومنها إلى لبنان أو إلى باقي المواقع العسكرية التابعة للميليشيات، حسب تعبيره.
ولفت إلى أن المواقع المستهدفة هي حي الصناعة واستراحة الذاكر التي تقع على طريق تدمر دير الزور، مشيرا إلى وجود منظومة دفاع جوي روسية اس 300 بالقرب من المواقع المستهدفة في تدمر.
ويحتوي حي الصناعة على مقر ومستودع أسلحة للفرقة الرابعة وميليشيا فاطميون وزينبيون تحديداً، في حين تنوعت جنسيات القتلى من العراق والأفغان ومن الشيشان ومن جنسيات أجنبية غير معروفة، أما استراحة الذاكر، فقد حولتها الميليشيات عام 2019 بعد سيطرة النظام على مدينة تدمر إلى نقطة استراحة خاصة بهم، وتحولت بعض الأبنية فيها إلى مقرات تستخدم لأغراض عسكرية في المنطقة، حسب الحمصي.
وعن أوضاع المدنيين في المدينة، أوضح الحمصي أنه: “يوجد مدنيون في المدينة، لكن شروط وجودهم تتطلب الحصول على ورقة تسوية من فرع البادية في تدمر، كما أن هناك بعض الأشخاص ممن ليس لهم علاقة بالعسكرة يتواجدون في تدمر”، لافتاً إلى أن الروس يسيطرون على المدينة بشكل أكبر من إيران.
وأكد الحمصي على أن هذه الضربة تعتبر أعنف ضربة تعرضت لها ميليشيات إيران في سوريا مقارنة بالضربات الأخرى، ووفقاً للحصيلة المتوفرة، يشير التقدير إلى مقتل أكثر من 120 قتيل، بينما لم يعترف النظام إلا بمقتل 14 عنصراً من الفرقة الرابعة، من بينهم ضابط برتبة عميد، بحسب المصدر ذاته.
وذكرت وكالة “سبوتنيك” الروسية، أمس، أن الغارات استهدفت معاقل ميليشيات متحالفة مع النظام السوري داخل ومحيط مدينة تدمر، وأن عدداً كبيراً من سيارات الإسعاف شاركت في نقل الجرحى والقتلى نحو المستشفى الوطني.
بدوره، قال المحلل الاستراتيجي العقيد أحمد حمادة لمنصة SY24: “تمتلك تدمر موقعاً استراتيجياً يقع على طريق طهران-بيروت وطهران-دمشق، وهي قريبة من القلمون، وبما تحتويه من غاز يتنافس عليها الروس والإيرانيون، إضافة إلى قربها من مواقع البترول والغاز والفوسفات، وبالتالي فإن كل هذه العوامل تجعلها ذات أهمية كبيرة. لهذا السبب نجد كل الميليشيات والروس وقوات النظام متواجدين فيها”.
وأضاف: “جاءت الغارة الإسرائيلية من جهة البادية وركزت على استهداف اجتماع في المنطقة الصناعية، وفي إحدى الاستراحات كان يجتمع فيها عدد من الميليشيات مع ضباط من النظام السوري، كما شملت الضربة موقعاً استخباراتياً مشتركاً بين قوات النظام وميليشيات حزب الله اللبناني”.
وتأتي هذه الضربة في سياق جهود إسرائيل المتواصلة لقطع خطوط الإمداد عن الميليشيات الإيرانية وحزب الله، حيث استهدفت مواقع حيوية كانت تستخدم لنقل الأسلحة والدعم اللوجستي، وقد علق بعض المحللين على أن هذه الضربة قد تكون بداية لتصعيد أكبر في المنطقة، خاصة مع التوترات المتصاعدة على الحدود.
من جانبه، قال المحلل الاستراتيجي أحمد الحمادي لمنصة SY24: “تدمر ومحيطها تحت السيطرة الإيرانية وميليشياتها، وهي نقطة ارتكاز لتزويد ميليشيا حزب الله بالسلاح والذخيرة والدعم اللوجستي المتعدد، وبالطبع يشمل ذلك كافة محطات الطريق والمتوازية بما يعرف بمحطات T2, T3, T4 السابقة لنقل النفط العراقي عبر الأراضي السورية”.
وتابع: “قبل القصف الإسرائيلي البارحة لتدمر، سبقه قصف لمواقع في T4، وقبلها قصف القصير والحواجز الرابطة بين طرفي العاصي في تلك المنطقة وغيرها، وكذلك قصف المعابر الحدودية النظامية بين سورية ولبنان (المصنع، جوسية، وغيرها). وهنا نرى أن إسرائيل تسعى وتريد قطع طرق الإمداد عن ميليشيا حزب الله عبر سورية والتي تشكل المتنفس الرئيس لها، واليوم سمعت تصريحًا لوزير لبناني سابق لا أريد ذكر اسمه، يحذر اللبنانيين من حصار خانق ويدعوهم لأخذ احتياطاتهم من المواد الغذائية تحسبًا لتردي الأوضاع إذا لم تشهد المفاوضات ومساعي هوكستين المبعوث الأمريكي أي تقدم نحو وقف إطلاق النار”.
وزاد قائلاً: “أما بالنسبة للمواقع المستهدفة وحصيلة القتلى وجنسياتهم، بالطبع النظام القاتل ووسائل إعلامه قد يشيرون إلى حدوث عدوان وبأن وسائل الدفاع الجوي تصدت، وظهروا لنا مؤخرًا بجزء بسيط مما يحدث بقولهم: (سماع أصوات انفجارات وجارٍ التحقق منها)، وينتهي الخبر ويكون ما حدث قد حدث قصفًا وتدميرًا، وبعدها لا يتم التصريح عن الحدث ولا عما جرى، كأن سانا وأخواتها أُمروا بلملمة الموضوع وتجاهله، ولقد صرح النظام على غير عادته بمقتل 36 وجرح أكثر من 50 جريحًا، الكثير منهم جراحهم خطيرة، ولكن علينا هنا مراعاة نقطة مهمة بأن النظام في غالبية الاستهدافات الإسرائيلية لم يصرح عن العدد الحقيقي للضحايا الذين وقعوا نتيجة القصف، وإن ذكر، لا يذكر إلا عدد الضحايا السوريين، أما من يسقط من الميليشيات فلا ذكر لهم لا عددًا ولا اسمًا إلا إذا كانت شخصية مهمة جدًا سيضطر لذكرها، أو يدع الميليشيا تعلن عنها”.
وأشار إلى أنه في تدمر استهدفت عدة مواقع منها الاستراحة المسماة باسم استراحة ذاكر، ويبدو بأنها كانت تشهد اجتماعًا تنسيقيًا ما بين الميليشيات المتعددة بحضور ضباط من الجيش السوري، حيث سقط قتيلًا عميد ركن هو عبد الله أحمد الزير، وهناك عدة أبنية استهدفت هي عبارة عن مقرات ميليشيا للنجباء والفاطميين والزينبين وميليشيا حزب الله اللبناني وغيرها، وأعداد القتلى منها تجاوزت الخمسين وعشرات الجرحى، كما استهدفت مقاسم في المنطقة الصناعية بتدمر، والمقسم المستهدف يحتوي على مستودع كبير للأسلحة، والرقم الذي أعلنته وسائل إعلام النظام هو عدد القتلى والجرحى من قوات النظام فقط، بينما من سقط من الميليشيات لم يفصح عن عددهم ولم يذكر، وفق تأكيده.
ولفت إلى أن: “الميليشيات الإيرانية هي من تسيطر على تدمر، مانعة الأهالي من العودة إلى منازلهم، ولا يوجد فيها مدنيون سوريون إلا القلة القليلة، بينما سكان تدمر الأصليين هُجروا منها وشُردوا، وغالبية المقيمين فيها حاليًا من عوائل عناصر الميليشيات الإيرانية أو من بيئتهم الحاضنة”.
ووسط كل ذلك، يؤكد محللون على أن إسرائيل وبضرباتها المكثفة، توجه رسالة إلى إيران، بأنها لن تسمح لها ببسط نفوذها إلى حدود إسرائيل، وبأن جميع مقراتها في سوريا باتت ضمن بنك الأهداف التي يجب ضربها والقضاء عليها بشكل نهائي، حسب وجهة نظرهم.