لقي حوالي 25 مهاجرًا حتفهم غرقًا يوم أمس الأربعاء قبالة سواحل ليبيا في البحر المتوسط، غالبيتهم من السوريين، تأتي هذه الحادثة في إطار سلسلة متزايدة من المآسي التي يواجهها السوريون الهاربون من أوضاعهم المعيشية والسياسية داخل البلاد، حيث يبحثون عن حياة أفضل في أوروبا رغم المخاطر الجسيمة التي تلاحقهم على طول طريق الهجرة غير الشرعية.
بحسب ما ذكره موقع “تجمع أحرار حوران”، فإن القارب الذي تعرض للغرق كان يقل ركابًا جميعهم من الجنسية السورية، معظمهم من بلدة الكرك الشرقي بريف درعا.
وأضاف الموقع أن الحادث وقع بعد ساعتين فقط من انطلاق القارب من منطقة طرابلس الليبية، وكان على متنه شبان ونساء وأطفال، فيما تمكن بعض الصيادين الليبيين من إنقاذ عدد من الركاب بعد نحو أربع ساعات من الحادث، بينما لا يزال الآخرون في عداد المفقودين.
المأساة لم تنتهِ عند الغرق فقط، بل أفاد الناجون بتعرضهم لعملية ابتزاز واستغلال من قبل الصيادين الذين أنقذوهم، حيث طالبوا ذويهم بدفع مبلغ ألفي دينار ليبي عن كل شخص تم إنقاذه، مهددين بتسليمهم إلى السلطات الليبية في حال عدم الدفع.
تكرار مثل هذه الحوادث يشير إلى حجم الخطر الذي يواجهه مئات المهاجرين أثناء محاولاتهم عبور البحر المتوسط، فقد أصبحت طرق التهريب الخيار الوحيد أمام الكثيرين، رغم أنها مليئة بالمخاطر بسبب انعدام القوانين التي تضمن سلامتهم وضعف المراقبة الدولية لعمليات تهريب البشر.
وقبل أسبوع فقط، قضى شابان من بلدة “رنكوس” بريف دمشق غرقًا في سواحل ليبيا أثناء محاولتهم الفرار من مناطق سيطرة النظام السوري هربًا من الاعتقال أو الخدمة العسكرية الإلزامية، الحادثة تسلط الضوء على واقع مأساوي يدفع الشباب السوري إلى خوض مغامرات مميتة للوصول إلى مناطق آمنة، متجاهلين المخاطر التي تشمل الغرق، الابتزاز، والاستغلال في بلد غارق بالصراعات مثل ليبيا.
إذ تتعدد أسباب لجوء السوريين إلى هذه الطرق المحفوفة بالمخاطر، بدءًا من تدهور الوضع الأمني والاقتصادي في الداخل السوري، مرورًا بالضغوط الاجتماعية والمخاوف من الاعتقال أو التجنيد القسري، وصولًا إلى البحث عن فرص أفضل في دول أوروبا، إلا أن المخاطر الناجمة عن هذه الرحلات تفوق التوقعات، حيث يدفع المهاجرون أموالًا طائلة لشبكات التهريب غير القانونية، ليجدوا أنفسهم في قوارب غير مؤهلة وسط البحر، عرضةً للغرق أو الوقوع في براثن العصابات والابتزاز.
هذه الحوادث المتكررة تسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى إيجاد حلول دولية أكثر إنسانية وتنظيمًا لأزمة اللاجئين، وتوفير طرق قانونية وآمنة للهجرة أصبح ضرورة ملحة للحد من استغلال تجار البشر، وإنقاذ آلاف الأرواح التي تُزهق سنويًا في البحر المتوسط، كما يتطلب الوضع جهودًا مشتركة من قبل الدول والمنظمات الإنسانية لإيقاف نزيف المهاجرين وإيجاد حلول جذرية للأسباب التي تدفعهم إلى المخاطرة بحياتهم.
تبقى مأساة غرق المهاجرين السوريين انعكاسًا لأزمة أعمق مرتبطة بغياب الاستقرار السياسي والاجتماعي داخل سوريا، واستمرار الانتهاكات التي تدفع بالسكان إلى الهرب بأي وسيلة ممكنة، إن معالجة هذه الأزمات تتطلب جهودًا دولية تركز على إنهاء الصراعات، ودعم اللاجئين بطرق أكثر أمانًا وإنسانية، لضمان حماية أرواحهم وصون كرامتهم.