مع انخفاض درجات الحرارة بشكل ملحوظ في مناطق الشمال السوري، شهدت أسعار مواد التدفئة ارتفاعاً كبيراً، ما يزيد من أعباء الأسر في هذه المناطق، وتتنوع المواد المستخدمة في التدفئة بين الحطب، الفحم، وقشور اللوزيات، المازوت فيما تفوق أسعارها قدرة العديد من العائلات على تحملها.
ارتفاع أسعار مواد التدفئة
بلغ سعر طن الحطب في الشمال السوري ما بين 150 إلى 200 دولار أمريكي، بينما تراوحت أسعار طن الفحم الحجري بين 200 إلى 250 دولاراً، حسب نوعية وجودة المادة، كما ارتفعت أسعار قشور اللوزيات مثل الفستق والبندق والمشمش، التي تستخدم أيضاً في التدفئة، حيث وصل سعر الطن الواحد منها إلى 140-170 دولاراً، ويختلف سعر هذه المواد حسب الجودة، مما يجعل تأمين التدفئة تحدياً إضافياً أمام العائلات.
فيما يتعلق بالمحروقات، وصل سعر برميل المازوت المحسن (الذي يعد أقل جودة) إلى 150 دولاراً، بينما بلغ سعر البرميل من النوع الأوروبي الجيد نحو 235 دولاراً ومع تباين حاجة كل أسرة يتراوح استهلاكها ما بين برميل إلى برميلين من المازوت حسب درجة برودة المنطقة وكميات الاستخدام.
عائلات تلجأ إلى التقنين والبدائل الرخيصة
هذه الأسعار المرتفعة دفعت العديد من العائلات إلى تقليص استهلاكها والبحث عن بدائل أقل تكلفة، حيث تبنت الكثير من الأسر في الشمال السوري أساليب توفير مبتكرة للتأقلم مع الوضع المعيشي الصعب، “وداد العلي”، أم لأربعة أطفال تقيم في منطقة دير حسان شمال إدلب، تقول: “نستخدم الحطب والبيرين (تفل الزيتون) بكميات قليلة على مبدأ كل يوم بيومه، وكل أسبوع أشتري كيساً من كل نوع، وأعتمد على حرق الكرتون والمواد البلاستيكية والألبسة القديمة لتوفير كمية الحطب ليوم غد”.
أما “أبو عمار”، عامل مياومة في أحد مطاعم الوجبات السريعة في المنطقة، فيوضح كيف أثرت هذه الطرق على صحة أطفاله، حيث أصيبوا بأمراض تحسسية العام الماضي نتيجة لحرق المواد البلاستيكية مع الحطب الكبيرين، وأضاف حسب قوله “هذا العام قررت استخدام مدفأة المازوت، لكنني عاجز عن شراء برميل كامل أو كميات كبيرة، إذ أشتري ثلاثة لترات يومياً فقط حسب ما يتوفر معي من أجرتي، وزوجتي تقنن الاستهلاك، حيث نشعل المدفأة في الصباح الباكر فقط وعند المساء كنوع من التوفير”.
تكلفة باهظة للتدفئة خلال فصل الشتاء
تحتاج الأسرة الواحدة في الشمال السوري، بشكل متوسط. إلى حوالي طن إلى طن ونصف من الحطب أو المواد البديلة لتغطية احتياجاتها خلال فصل الشتاء. إذا افترضنا أن الأسرة تستهلك طناً واحداً فقط من الحطب، فإن التكلفة ستتراوح بين 150 إلى 200 دولار. بينما تصل تكلفة طن من الفحم الحجري إلى 200-250 دولار. وقشور اللوزيات إلى 140-170 دولار.
أما إذا لجأت الأسرة إلى استخدام المازوت، فستحتاج إلى برميل أو برميلين خلال الموسم. ما يعني تكلفة تتراوح بين 150 إلى 470 دولار حسب جودة ونوع المازوت المستخدم. ومع ارتفاع أسعار المحروقات، قد تضطر العائلة إلى استخدام كميات أقل أو اللجوء إلى الشراء اليومي بالكميات الصغيرة. وهو ما يزيد التكلفة على المدى الطويل، بالتالي قد تتجاوز تكلفة تدفئة الأسرة خلال الشتاء 300 دولار في المتوسط. وهو مبلغ يفوق قدرة كثير من العائلات التي تعاني أصلاً من ظروف معيشية صعبة. مما يدفعها إلى البحث عن بدائل أقل تكلفة أو الاعتماد على أساليب توفير صارمة للتأقلم مع هذا الواقع.
واقع صعب ومعاناة مستمرة
تمثل هذه الظروف التي تعيشها الأسر في الشمال السوري صورة حية لمعاناة الأهالي، الذين لا يقتصر تحديهم على توفير الطعام والشراب. بل يمتد ليشمل الحصول على وسائل تدفئة تقيهم من برد الشتاء القارس. ويعكس هذا الواقع الصعب حجم المعاناة المستمرة التي يواجهها المدنيون في مناطق الشمال السوري. والذين يتطلعون إلى حلول جذرية لمشاكلهم اليومية.