تتواصل الأحداث الأمنية المتلاحقة في محافظة درعا، حيث تتكشف يومياً تفاصيل مروعة عن عمليات القتل والاستهداف والخطف التي تنخر في جسد المجتمع، في مشهد مأساوي يعكس حجم المعاناة.
وخلال الأسبوع الماضي، سجلت المحافظة سلسلة من الجرائم المتفرقة أبرزها مقتل شخص من مدينة إنخل، الذي اغتيل داخل منزله على أيدي مسلحين مجهولين، بحسب مصادر وشبكات محلية.
وفي حادثة أخرى، تعرضت سيارة للاستهداف بالقرب من مبنى الري بين بلدتي اليادودة والمزيريب، مما أدى إلى إصابة سائقها وراكبها.
ووفقاً لمصادر محلية، ارتفعت حصيلة الضحايا خلال الأسبوع الماضي، حيث تم توثيق مقتل ثلاثة أشخاص في مناطق متفرقة من المحافظة، بينهم من سقط في الصنمين وإبطع واليادودة، كما أُصيب ستة آخرون، بينهم سيدة وطفلان في حوادث متنوعة.
ولم تقتصر الأحداث على القتل والإصابات، بل شملت أيضاً حالات إلقاء القنابل، حيث تعرض منزل أحد الأشخاص في مدينة جاسم لإلقاء قنبلة يدوية، وكذلك الحال أمام إحدى صالات الأفراح في مدينة طفس.
وقال الباحث والصحفي حسام البرم لمنصة SY24: “النظام السوري هو المسؤول عن حالة الفوضى الأمنية وهو المستفيد الأول والأخير من هذه الفوضى في المنطقة، بهدف إشغال السكان المحليين عن الحالة الاقتصادية المتردية في المنطقة، وللإيحاء بأنه هو المخرج الوحيد لهم من تلك الأزمة”.
وتابع: “النظام لعب على أن حالة الفوضى تخدمه في التخلص من اغتيال معارضيه وفي التخلص من مجموعات حزب الله والإيرانيين، فهو يشعر بأنه في لحظة مثالية للتخلص من هؤلاء الحلفاء، وبالتالي يرى أن الفوضى الأمنية مناسبة جدا للتخلص من التيار المعارض له”.
ولفت إلى أن الفوضى الأمنية تؤمن لمجموعات النظام وميليشياته هامش من الحرية لتجارة المخدرات وترويجها وتهريبها من مكان إلى آخر، فتجارة المخدرات تلعب دوراً كبيراً في الوضع الأمني المتردي في المنطقة، فهناك الكثير من المجموعات التابعة للنظام والميليشيات مستفيدة بشكل كبيرة من حالة الفلتان الأمني داخليا وعلى الطرقات في الجنوب السوري وهذا ما يرغبون به بشكل أساسي، حسب تعبيره.
وازدادت معاناة السكان مع ارتفاع معدلات الهجرة، خاصةً بين الشباب الذين يخاطرون بحياتهم محاولين العبور إلى أوروبا، حيث سقط العشرات غرقى أو في عداد المفقودين على الشواطئ الليبية.
وحول تلك الأحداث قال الناشط السياسي، مصطفى النعيمي لمنصة SY24: “أرى بأن المرحلة القادمة ستشهد مزيداً من الاستهدافات المتبادلة ما بين المكونات المنتمية إلى النظام السوري وإلى المحور الإيراني من جانب والمحور الروسي المتمثل باللواء الثامن من جانب آخر، وبناء على هذا المناخ المتأزم تدريجيا أعتقد بأننا سنشهد مزيداً من الضربات المتبادلة من كلا الجانبين، نظرا لأن كلا المشروعين متناقضين في بعض التكتيكات المستخدمة في الاستهدافات المتبادلة، لاسيما وأن الطارق الجديد على الساحة هو التوغل الإسرائيلي في المنطقة الجنوبية من سوريا وتحديدا محافظة القنيطرة، إضافة إلى أن الأزمة لم تحل بعد بخصوص المنطقة الجنوبية عموما لاسيما ما بعد اتفاقية مدراء الأمن القومي الثلاث روسيا أمريكا وإسرائيل، لما يخص إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود مع الجولان المحتل بمسافة تزيد عن 35 كيلو متراً”.
وأضاف: “النظام والميليشيات وروسيا لم يلتزموا بتلك الاتفاقية، وبناء عليه ما زال الجنوب السوري يشهد اشتباكات متقطعة وترتفع وتيرتها بموجب المناخ السياسي والعسكري الذي يطرأ على الساحة لاسيما بعد إعلان إسرائيل التوغل، وربما قد يزداد تدريجيا باتجاه المنطقة الجنوبية من سوريا، لذلك تحاول القوى المتصارعة إثبات الوجود في ظل التهديدات المستمرة من قبل الجانب الإسرائيلي”.
بالمقابل، فإن الواقع المعيشي لا يقل قتامة عن المشهد الأمني، حيث تواجه الأسر صعوبات جمة في تأمين احتياجاتها الأساسية، فقد بات الدخل عاجزاً تماماً عن تغطية النفقات اليومية. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 90% من سكان المحافظة يعيشون تحت خط الفقر، في مؤشر مروع على حجم المأساة الإنسانية.
وفي هذا الجانب، قال الناشط السياسي مصطفى النعيمي: “ربما الجانب الاقتصادي بالنسبة للمتصارعين كمشروعين الروسي والإيراني غير معنيين بالجانب الاقتصادي بالمطلق فلا يعتنون سوى بمسألة الولاء وبناء عليه يتم توظيف الأموال التي تدفع إلى تلك المحاور بناء على حجم الخدمة المقدمة منهما، لذلك ستبقى المنطقة مهددة بمزيد من الفقر في ظل عدم تبلور حل محلي أو إقليمي أو دولي، وسيرتفع معدل الجريمة وربما قد نشهد صراعات بينية ترتفع وتيرتها بموجب حجم خط الفقر الذي يهدد ساكني الجنوب السوري عموما ومحافظة درعا خصوصا”.
ويعكس هذا الواقع المرير حالة من الانهيار الشامل التي تعصف بمحافظة درعا، حيث يبدو المستقبل قاتماً أمام سكانها الذين يكافحون يومياً من أجل البقاء، بحسب مراقبين.