تتسارع الأحداث في ريف حلب الغربي وعموم الشمال السوري لتشكل منعطفًا وتحولات جديدة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وسط التساؤلات ومن أبرزها “هل تفتح الطريق لحل سياسي جديد؟”.
وتؤكد الأنباء الواردة من أرض الميدان على أن المعركة الجارية لم تعد مجرد عملية عسكرية تقليدية، بل أصبحت حدثًا استراتيجيًا يُعيد رسم خريطة النفوذ والتحالفات في المنطقة، حسب محللين.
ويؤكد المحللون السياسيون كذلك على أن هذه المعركة تحمل في جعبتها أبعادًا متعددة الأوجه، حيث تتقاطع فيها المصالح الدولية والإقليمية بشكل معقد، فالتراجع الواضح للميليشيات الإيرانية وتهالكها يمثل مؤشرًا جوهريًا على تآكل النفوذ الإيراني في سوريا، بينما يظهر الدور الروسي محدودًا وغير حاسم في دعم النظام السوري بالشكل المعهود في السنوات الماضية.
وتكتسب المعركة أهميتها الاستراتيجية من قدرتها على فرض أمر واقع جديد في الميدان السوري، فالتقدم السريع للفصائل العسكرية يحمل في طياته إمكانية إحداث اختراق نوعي قد يُعيد تشكيل المشهد السياسي المتعثر منذ سنوات.
ويرى المراقبون أن الخسائر الفادحة التي يتكبدها النظام وميليشياته دفعت المسؤولين الإيرانيين للجوء إلى استراتيجية التشويه، محاولين شيطنة العمل العسكري واتهامه بأنه مدعوم من إسرائيل.
وتعتمد التطورات السياسية المرتبطة بهذه المعركة بشكل أساسي على التحركات الدبلوماسية للاعبين الرئيسيين، فالموقف التركي يبدو محوريًا، والتحرك الروسي مرتقب، والموقف الأمريكي محل متابعة دقيقة. في حال استمرت المعركة على أشدها وتمكنت الفصائل من الوصول إلى مدينة حلب أو على مداخلها بشكل كبير، فإن ذلك سيؤدي حتمًا إلى تغيير جذري في موازين القوى على الأرض.
وهذا التحول سيستدعي بالضرورة تحركًا سياسيًا معقدًا، حيث يقع على عاتق المعارضة السورية استثمار هذه التطورات الميدانية سياسيًا، فالمطلوب اليوم هو وضع الملف السوري مجددًا على طاولة الحلول أمام اللاعبين الرئيسيين، وفتح مسارات جديدة للتفاوض قد تختلف جذريًا عن المسارات السابقة، بحسب آراء محللين.
وقال الكاتب والمحلل السياسي والحقوقي، عبد الناصر حوشان لمنصة SY24: “بداية كانت المعركة محدّدة الأهداف من قبل الفصائل الثوريّة بردّ العدوان و كف أذى الصواريخ والمدفعية والطائرات المسيرة عن المناطق المحررة، وذلك من خلال استهداف معسكرات النظام التي تنطلق منها هذه الصواريخ والطائرات، وبالتالي يمكن أن تتوسع المعركة وتتطور حسب ردّة فعل النظام و روسيا وإيران لتخلق أهدافاً جديدة، وهذا على ما أعتقد جعل الروس يحجمون عن التدخل الواسع في المعركة باعتبار أن المحاور المستهدفة تحت السيطرة الإيرانية المباشرة، وبالتالي هي من يتحمل مسؤولية الحفاظ عليها”.
وأضاف: “إحجام الروس له أبعاد سياسية تتعلق بالموقف التركي الذي لا يسمح بأن تؤدّي ردود النظام وإيران إلى موجة تهجير جديدة للسوريين باتجاه الأراضي التركية، سيما وأن هذه المناطق بالأصل هي ضمن مناطق خفض التصعيد الذي أخل النظام وإيران وروسيا بتفاهمات أستانا مع تركيا، وهي إحدى المسائل العالقة بينهم، مما يجعل التدخل الروسي فيما إذا توسّع نسف لهذه التفاهمات وبالتالي منح تركيا الحق بالتدخل العسكري المباشر في المعركة”.
ووسط كل ذلك، أجمعت آراء المحللين على أن معركة ريف حلب الغربي ليست مجرد حدث عسكري عابر، بل هي نقطة تحول استراتيجية قد ترسم معالم المشهد السوري للسنوات القادمة، فالرهان اليوم على قدرة الفصائل العسكرية والمعارضة السياسية على استثمار هذه اللحظة التاريخية بأقصى درجات الحكمة والمرونة السياسية، بحسب وجهة نظرهم.
والأربعاء، أطلقت فصائل المعارضة السورية معركة “ردع العدوان” شمالي سوريا، محققة انتصارات واسعة أبرزها تحرير ريف حلب الغربي بأكمله والانتقال إلى محاور أخرى بريف إدلب بهدف تطويق مدينة حلب وقطع طرق الإمدادات الاستراتيجية عن النظام وميليشياته.