مع حلول الشتاء القارس، تتفاقم معاناة النازحين في إدلب الذين هجّرهم القصف المستمر بحثًا عن ملاذ آمن، يجد هؤلاء النازحون أنفسهم في مواجهة قاسية مع الطبيعة، بلا وسائل تدفئة كافية ولا مأوى يقيهم من البرد والمطر.
رحلة نزوح شاقة في ظل الطقس البارد
لم تكن رحلة النزوح سهلة على آلاف الأسر الفارة من ريفي إدلب وحلب، تتحدث “أم خالد” نازحة من ريف إدلب الجنوبي عن المسافات الطويلة التي قطعتها مع أطفالها تحت المطر والبرد، فتقول: “خرجنا من منزلنا في منتصف الليل هربًا من القصف، كنا نرتجف من البرد ولم يكن معنا سوى أغطية أو وسيلة تدفئة تقينا من البرد القاسي”، المشاهد على الطرقات تُظهر العائلات تسير وسط الأمطار والرياح العاتية، مستخدمين عربات بدائية أو حتى دراجات نارية للوصول إلى المناطق الأكثر أمانًا.
التحديات الصحية: أمراض الشتاء تفتك بالأطفال
مع انخفاض درجات الحرارة، تنتشر أمراض البرد والكريب بين النازحين، وخاصة الأطفال وكبار السن، يوضح “رائد”، طبيب عام يعمل في العيادات المتنقلة في المخيمات شمالي إدلب: “الأطفال يعانون من التهابات صدرية حادة بسبب البرد والرطوبة، ولا توجد أدوية كافية لعلاجهم، المستوصفات القريبة تعمل بقدرة محدودة، ما يزيد من معاناة المرضى”.
في مركز إيواء بمدينة حارم، تجلس “أم يوسف” بجوار طفلها المريض، فتقول بحسرة: “طفلي يعاني من الحمى منذ ثلاثة أيام، ولم أستطع توفير الدواء له. كل ما أملكه هو الماء الساخن لمحاولة تخفيف الألم”.
المخيمات المؤقتة: مأوى لا يقي من البرد
المخيمات التي لجأ إليها النازحون تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة. الخيام المصنوعة من القماش والبلاستيك لا تصمد أمام الرياح والأمطار، يقول أبو أحمد، نازح يقيم في مخيم بالقرب من الحدود التركية: “الرياح اقتلعت جزءًا من خيمتنا، والمياه تسربت إلى الداخل، نحاول تدعيمها بالحجارة والأسمنت، لكن لا شيء يوقف البرد”، بعض العائلات تضطر لاستخدام مواقد صغيرة للتدفئة، ما يعرضهم لخطر الاختناق بسبب انعدام التهوية.
قصص معاناة الأهالي في مواجهة الشتاء
تروي خديجة، أم لأربعة أطفال، قصتها قائلة: “كل ليلة ننام ونحن نرتدي كل ما نملك من ملابس، لكن البرد لا يرحم، ابني الأصغر يستيقظ كل ساعة من شدة البرد، نحاول إشعال نار صغيرة، لكن الحطب غالي الثمن ولا نملكه دائمًا”.
وبدوره، يقول “محمود”، رجل مسن يقطن في مخيم قريب من مدينة سرمدا: “لم أعد أهتم بشيء سوى أن أجد مكانًا دافئًا لأقضي فيه ما تبقى من عمري”.
استجابة محدودة واحتياجات متزايدة
رغم الجهود التي تبذلها المنظمات الإنسانية، تبقى الاستجابة محدودة مقارنة بحجم الاحتياجات. يوضح “أنس”، مسؤول إغاثي في منظمة محلية: “نحاول توزيع البطانيات والمدافئ، لكن الأعداد كبيرة والإمكانات محدودة. نحتاج إلى مزيد من الدعم لتوفير الملابس الشتوية والطعام والوقود”.
مع استمرار فصل الشتاء القاسي، تبدو معاناة النازحين في إدلب رحلة لا تنتهي، يبقى الأمل معقودًا على زيادة الدعم الإنساني وتوفير حلول مستدامة تضمن لهؤلاء العائلات حياة كريمة بعيدًا عن البرد والخوف.