تعيش سوريا على وقع واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية في العصر الحديث، حيث لا يزال سجن صيدنايا، الذي يُعرف بـ”المسلخ البشري”، يثير الرعب والغموض بسبب ما يختزنه من أسرار مأساوية عن آلاف المعتقلين الذين قُطعت أخبارهم منذ سنوات. ورغم خروج 300 معتقل مؤخرًا من هذا السجن، فإن السجلات تؤكد وجود ما لا يقل عن 25 ألف معتقل ما زالوا مفقودين، وسط محاولات الدفاع المدني السوري وفرق الإنقاذ للوصول إلى الطوابق السفلية التي يُعتقد أنها تضم آلاف المعتقلين.
نداء عاجل لإنقاذ المعتقلين
وجهت مناشدات عديدة إلى المنظمات الحقوقية والهيئات الأممية للتحرك العاجل والدخول إلى سجن صيدنايا لإنقاذ المعتقلين الذين يُعتقد أنهم محتجزون في الأقبية السفلية. المخاوف تتصاعد من احتمال وفاتهم بسبب انقطاع التنفس والكهرباء ونقص الطعام، وتركهم لمصير الموت المحتوم في واحدة من أبشع الجرائم التي عرفها العالم.
مشاهد مروعة من داخل السجن
أظهرت المقاطع الإعلامية الأولى التي بُثت لحظة كسر الأبواب صورًا لنساء معتقلات وأطفال ولدوا داخل السجن، أحدهم لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات، كما تضمنت المقاطع مشاهد لأطفال ونساء بدت عليهم علامات الخوف الشديد والمرض والنحول، ما يكشف حجم الانتهاكات التي تعرضوا لها.
جرائم غير مسبوقة
وصف سجن صيدنايا بأنه أكبر مسلخ بشري، حيث تعرض المعتقلون فيه لأشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي والجنسي، وعُثر داخل الزنازين على أدوات تعذيب إجرامية، منها مكبس حديدي يُستخدم لكبس جثث المعتقلين لتكديسها فوق بعضها ودفنها في مقابر جماعية، في واحدة من أكثر الجرائم وحشية في العصر الحديث.
وداخل المنفردات وجدت حبال ومشانق تستخدم لإعدام المعتقلين وتذيب
جهود إنقاذ مستمرة
أرسل الدفاع المدني السوري خمسة فرق طوارئ مختصة إلى السجن للبحث عن أقبية سرية يُعتقد وجود معتقلين فيها بناءً على شهادات ناجين، تشمل الفرق فريق بحث وإنقاذ، وفريقًا لنقب الجدران، وآخر لفتح الأبواب الحديدية، بالإضافة إلى فريق كلاب مدربة، وفريق إسعاف. بدأت هذه الفرق عملها بمرافقة دليل يعرف تفاصيل السجن، ورغم الظروف الأمنية الصعبة على الطرقات، فإن الجهود مستمرة للوصول إلى أمل جديد.
وصرح الدفاع المدني بأن الفرق عملت على فتح عدة مناطق داخل السجن، منها المطبخ والفرن، لكن لم يُعثر على شيء حتى الآن، ورغم تضارب المعلومات، تستمر الجهود بالطاقة القصوى للوصول إلى نتائج تُنهي هذا الكابوس الإنساني.
قائمة السجانين الهاربين
تداول ناشطون قائمة تضم أسماء السجانين الذين كانوا يخدمون في صيدنايا وهربوا أثناء تحرير السجن. وتؤكد الجهات الحقوقية أهمية الوصول إليهم للكشف عن مصير باقي المعتقلين، في خطوة قد تسهم في حل لغز هذا السجن الرهيب.
ماذا تعرف عن سجن صيدنايا؟
سجن صيدنايا هو واحد من أشهر وأبرز السجون في سوريا، ويقع شمال العاصمة دمشق بحوالي 30 كيلومترًا، بالقرب من بلدة صيدنايا، تم افتتاح السجن في عام 1987، ويخضع لإدارة الشرطة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع السورية، صُمم السجن في البداية لاستيعاب العسكريين المدانين بجرائم قانونية، إلا أنه تحوّل مع مرور الوقت إلى مركز احتجاز للمدنيين أيضًا، خاصةً أولئك الذين يُتهمون بمعارضة النظام السوري.
يُعرف سجن صيدنايا بكونه منشأة شديدة الحراسة وبسمعته السيئة بسبب الظروف القاسية التي يُحتجز فيها السجناء، وقد وصفته منظمات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية، بأنه واحد من أسوأ السجون في العالم من حيث انتهاكات حقوق الإنسان، أُطلق عليه لقب “المسلخ البشري” في تقرير نشرته منظمة العفو الدولية عام 2017، والذي كشف عن تنفيذ عمليات إعدام جماعية وتعذيب منهجي داخل السجن.
يُقسم السجن إلى قسمين رئيسيين: السجن الأحمر، الذي يُعتقد أنه مخصص للسجناء السياسيين، والسجن الأبيض، الذي يُستخدم عادةً للسجناء العسكريين أو المدنيين، يتميز السجن بعزله التام للسجناء عن العالم الخارجي، حيث يُمنع عنهم التواصل مع عائلاتهم أو الحصول على محاكمة عادلة في كثير من الأحيان.
لعب سجن صيدنايا دورًا بارزًا خلال فترة الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، إذ زادت أعداد المعتقلين بشكل كبير، خاصةً المعارضين السياسيين والنشطاء الصحفيين، توثقت شهادات عديدة من ناجين من السجن، تحدثوا عن التعذيب الجسدي والنفسي، وانعدام الرعاية الصحية، وسوء المعاملة الممنهجة.
يبقى ملف سجن صيدنايا أحد أكثر الملفات الإنسانية تعقيدًا وغموضًا في سوريا. وبينما تُبذل الجهود لإنقاذ من تبقى من المعتقلين، فإن الحاجة إلى تحرك دولي عاجل أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، مصير آلاف الأرواح معلق على أمل بسيط قد ينقذهم من بين أنقاض هذا المسلخ البشري، ما يتطلب تضامنًا عالميًا لإنهاء هذا الفصل المأساوي من التاريخ السوري.