ناجون بلا ذاكرة وموتى بلا قبور.. ملف المعتقلين السوريين يصدم العالم 

Facebook
WhatsApp
Telegram

SY24 -خاص

انتظرت “دعاء” بفارغ الصبر أن تسمع خبراً عن زوجها المعتقل منذ عام 2013، قضت ثلاثة أيام بين الأمل والقلق، تتابع كل صورة وكل خبر منشور عن المعتقلين الذين تم تحريرهم أخيراً، حلمت بأن تجد اسمه بين الناجين، لكنها لم تجد أثراً له، تخبرنا أن زوجها “محمد”، الذي اعتُقل دون سبب واضح على أحد الحواجز العسكرية في حي التضامن بدمشق، ما زال مصيره مجهولاً حتى اليوم، كحال مئات الآلاف من المعتقلين الذين غيبهم النظام في السجون لعقد من الزمن.

 الجرح المفتوح  

تحرير السجون وخروج من بقي على قيد الحياة منها جدد الجراح التي لم تندمل في قلوب ذوي المعتقلين المفقودين. أمهات وآباء عاشوا سنوات من الانتظار. يتشبثون بأمل العودة، ليجدوا أنفسهم اليوم أمام حقيقة مريرة تقول: إن “أولادهم ما زالوا مجهولي المصير”.

تروي “أم عبد القادر” من مدينة داريا، قصتها مع الألم والانتظار. تخبرنا في حديثها إلينا أنها هرعت إلى سجن صيدنايا فور تحريره، تقف بين آلاف الأهالي، تبحث عن ابنها الذي اختفى منذ عشر سنوات، تقول: “انتظرت مع الأمل، كنت أمني نفسي بأن أراه، لكن كل شيء كان بلا جدوى، لم يظهر، ولم أجد أي دليل عن مكان وجوده أو مصيره ابني كان  شاب خطفته آلة النظام الظالمة ولا أعلم إن كان ميتاً أم لا”.

أخبار مأساوية تزيد الألم 

أما “أم حسين”، من ريف دمشق، فتعيش اليوم مأساة مزدوجة. انتظار ابنها” وليد” الذي اعتُقل في السابعة عشرة من عمره دون سبب، وتلقيها خبر مقتله في سجن صيدنايا، تقول وهي تبكي: “بحثت عنه في كل مكان، وسألت كل الناجين، ثم جاء الخبر بأنه أعدم منذ فترة، سنوات الانتظار لم تُبقِ في عيني دمعاً، فقط تمنيت أن أعرف أين دُفن ليكون له قبر أزوره”.

حياة بلا ذاكرة 

حالة أخرى أثارت الصدمة هي حالة الشاب “عبد الوهاب دعدوش” ، الذي خرج من السجن فاقداً للذاكرة، بجسد نحيل ووجه شاحب لا يذكر ماضيه ولا حتى اسم والدته. عائلته التي انتظرته 13 عاماً صُدمت بحالته، إذ لم يعد عبد الوهاب كما كان، بل أصبح شخصاً غريباً لا يعي حياته السابق. هذه الحالة ليست فريدة، فهناك عشرات المعتقلين الذين خرجوا يعانون من أمراض جسدية ونفسية مدمرة، وفقدان شبه كامل للذاكرة.

الحقيقة المرة 

من جهة أخرى، تقبّل “محمود” من مدينة حمص الواقع المأساوي لمصير شقيقه “محمد”، الذي اعتقله النظام قبل عشر سنوات من المدينة الجامعية بدمشق. يقول محمود: “لا أريد أكثر من معرفة قبره. أريد أن أعرف أين دفن، هل هو في مقبرة جماعية أم في مكان مجهول؟”. وأضاف أن “دفن الحقيقة يزيد من الألم أكثر من الموت ذاته”.

قصص المعتقلين الناجين والمفقودين في سوريا ليست مجرد حكايات فردية، بل هي جرح مفتوح في الوجدان السوري الجماعي. وغياب العدالة واستمرار الغموض حول مصير عشرات الآلاف من المعتقلين يؤكد أن معاناة السوريين لم تنتهِ بسقوط السجون. إذ استخدم النظام المخلوع الاعتقال كأداة للقمع والتنكيل، وترك وراءه إرثاً مرعباً من الألم والجراح التي قد تستمر لأجيال. هذا الواقع يفرض مسؤولية على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لمحاسبة الجناة وكشف الحقيقة. وإعادة الاعتبار لآلاف الأسر التي فقدت أحبّاءها، في سبيل الوصول إلى العدالة المنشودة.

مقالات ذات صلة