على مدى سنوات طويلة، مثّل التنقل بين المدن السورية معاناة حقيقية للسوريين الذين عانوا من قيود النظام المفروضة على المعابر. لم تكن هذه المعابر مجرد نقاط تفتيش، بل تحولت إلى وسيلة للتحكم والتقسيم، مما حرم العديد من العائلات من رؤية أحبائهم لسنوات، مئات الدولارات كانت تُدفع لعبور المواطن من المعابر بين المناطق المتنازعة، بينما فضّل آخرون البقاء تحت وطأة الخوف من الاعتقال والملاحقة.
لكن مع تحرير البلاد، تغيرت الصورة بالكامل. أُزيلت الحواجز التي كانت تُثقل كاهل السوريين، وعادت رحلات البولمان، رمز الوحدة الوطنية، لتربط المدن والمحافظات خلال أيام قليلة، اليوم تعيش سوريا مرحلة جديدة، تشهد فيها المحافظات حركة غير مسبوقة من الزوار والتنقلات، مما أعاد الروابط التي افتقدها السوريون لسنوات طويلة.
جحيم التنقل خلال حكم النظام
“أبو خالد”، أحد سكان حماة، يروي معاناته عندما كان يرغب في زيارة والدته المقيمة في إدلب: “كنت أحتاج إلى أكثر من 500 دولار فقط لأتمكن من عبور المعابر، عدا عن الإهانات والتفتيش الذي قد يطول لساعات. أحيانًا كنت أعود أدراجي لأنني لم أتحمل هذه المذلة”.
أما “سلمى” طالبة جامعية في كلية الآداب بحلب، فتحدثت عن اضطرارها للبقاء بعيدًا عن عائلتها في إدلب خوفًا من الاعتقال: “كنت أعلم أن التنقل يعني مخاطرة قد تكلفني حياتي، لذلك قررت البقاء في حلب حتى أنهي دراستي رغم اشتياقي العميق لعائلتي”.
الأثر النفسي والاجتماعي
قيود التنقل لم تقتصر على الجانب المادي فحسب، بل تركت آثارًا نفسية عميقة على السوريين، الكثير من الأطفال لم يعرفوا أقاربهم، فيما تفككت العديد من العائلات بسبب الحواجز التي صنعت حدودًا داخل الوطن.
التغيرات الجذرية بعد التحرير
مع تحرير البلاد، كان أول القرارات إزالة تلك المعابر التي كانت رمزًا للتقسيم. هذا القرار أعاد للسوريين حرية التنقل التي افتقدوها لسنوات. عادت رحلات البولمان، التي كانت سابقًا ترمز للاتصال بين المدن السورية، للعمل بوتيرة سريعة، “سارة” طالبة جامعية في حلب، تقول: “لم أصدق أنني استطعت العودة إلى أهلي في إدلب خلال ساعات قليلة، الطريق سالك وآمن، والأهم أنه لم يكلفني سوى أجرة السفر البسيطة”.
انعكاس التحرير على المجتمع والاقتصاد
حرية التنقل بين المحافظات لم تقتصر فوائدها على الجانب الاجتماعي فقط، بل شملت أيضًا انتعاش الحركة الاقتصادية. الأسواق باتت تستقبل بضائع متنوعة من مختلف المدن، مما ساهم في تعزيز التجارة المحلية.
على الجانب الاجتماعي، توافد السوريون على الطرقات لزيارة أحبائهم، مشهد الأمهات والأطفال في المحطات بات شائعًا، حيث تعبر وجوههم عن فرحة اللقاء بعد سنوات من الانقطاع.
الآفاق المستقبلية
مع عودة حرية التنقل. تتطلب المرحلة المقبلة العمل على تطوير البنية التحتية للطرق والمواصلات لضمان استمرارية هذه الانسيابية. كما أن التواصل الحر بين المحافظات يمكن أن يكون أساسًا لوحدة وطنية أقوى. المجالس المحلية بحاجة لدعم هذه الحرية وتعزيز الروابط بين المدن والمجتمعات.
عودة حرية التنقل بين المحافظات السورية ليست مجرد إنجاز لوجستي، بل خطوة كبيرة نحو إعادة بناء النسيج الاجتماعي الممزق. لمّ شمل العائلات السورية يعيد الأمل لمجتمع عانى من الانقسام والحرمان.
هذه الحرية المكتسبة تمثل بداية مرحلة جديدة تحمل معها فرصًا اقتصادية واجتماعية كبيرة، وتجعل السوريين