آلاف العائلات تواجه الحقيقة المرة بعد تبييض السجون في سوريا

Facebook
WhatsApp
Telegram

SY24 -خاص

في كل مرة كان يُصدر فيها النظام السابق قرارات “العفو العام” أو يُعلن عن تبييض السجون، تعيش آلاف العائلات حالة من الأمل الممزوج بالترقب، تلك القرارات التي كان يُنظر إليها كنافذة لإعادة الحياة إلى البيوت المكلومة، تحولت في النهاية إلى خيبة أمل مريرة، آلاف العائلات اصطدمت بواقع أكثر قسوة، بعدما تبددت آمالها في العثور على أبنائها، لتجد نفسها مجددًا أمام سؤال لا جواب له: “أين هم؟ ما مصيرهم؟”

أمل محطم: تبييض السجون وصدمة الأهالي

عند الإعلان عن عمليات تبييض السجون بعد تحرير المحافظات السورية التي كانت تحت سيطرة نظام الأسد، كان مشهد الانتظار مؤلمًا، آلاف العائلات السورية عاشت أيامًا طويلة على أمل رؤية أحبائهم المعتقلين يعودون من ظلمات السجون.

“أم همام”، والدة أحد المعتقلين منذ بداية الثورة السورية، تقول: “عندما سمعنا عن تبييض سجن صيدنايا، كنا نظن أن ابني سيعود. كل يوم كنا نراقب الأخبار وننتظر اسمه في قوائم المفرج عنهم، لكن لا شيء، ظللنا نعيش على هذا الأمل حتى تحطم تمامًا”.

تبييض السجون الأخير، الذي رآه البعض بادرة فرج، لم يكن سوى خيبة أمل جديدة. آلاف الأسر هرعت للبحث عن أسماء أبنائها في القوائم، لكنها عادت بخيبة مضاعفة. ليكتشفوا أن مصيرهم ما زال مجهولًا ولا معلومات عنهم، حتى بعد تحرير سوريا.

مصير غامض: لا وثائق ولا أجوبة

ما يزيد من عمق الألم هو غياب أي وثائق رسمية أو إجابات من قبل النظام السوري عن المعتقلين الذين لم يظهر لهم أثر منذ سنوات. “أبو خالد”، والد أحد المختفين قسريًا. يقول: “منذ اعتقال ابني قبل عشر سنوات ونحن نبحث عنه في كل مكان. دفعنا ما نملك لكن بلا فائدة، لا اضبارة، لا رسالة، لا قبر حتى”.

تشير منظمات حقوقية إلى أن آلاف المعتقلين اختفوا قسرًا في سجون النظام دون أي توثيق رسمي، مما يجعل عائلاتهم عاجزة عن معرفة مكان الوفاة أو حتى مكان دفنهم، هذا الغموض المستمر يترك الأسر في حالة انتظار قاتل.

ذكريات الوجع: العودة إلى اللحظات الأولى للفقدان

مع كل خيبة أمل جديدة، تعود العائلات السورية إلى الذكريات الأليمة للحظات اعتقال أحبائهم. السيدة “أم منار”، زوجة معتقل منذ عام 2013، تتذكر بحزن: “عندما أخذوا زوجي لم نعرف شيئًا عنه، ظننا أنه سيخرج بعد أيام، اليوم مرّ 10 سنوات، كلما صدر عفو، كنت أعيش تلك اللحظة من جديد، كيف أخذوه؟ كيف بكينا خلفه؟ والآن لا أملك حتى مكانًا أزوره لأبكي عليه”.

هذه الذكريات تعمق الجراح مع كل خيبة أمل جديدة، وتجعل الألم أكثر إيلامًا، خاصة عندما تتحول آمال العفو إلى سراب.

سجون النظام: وحشية بلا حدود

لا تقتصر المعاناة على الغياب أو الخطف فحسب، بل تترافق مع شهادات مرعبة عن وحشية التعذيب داخل السجون. ناجون من الاعتقال يروون تفاصيل لا يمكن وصفها، عن التعذيب الممنهج والموت البطيء الذي تعرض له المعتقلون.

“أبو سامر”، أحد الناجين من فرع فلسطين، يقول: “كنت أسمع أصوات المعتقلين وهم يصرخون تحت التعذيب. ثم فجأة ينقطع الصوت، كنا نفهم أنهم ماتوا، الجثث كانت تُنقل، ولا نعرف إلى أين”.

تقارير حقوقية كثيرة وثّقت الجرائم داخل سجون النظام، من إعدامات ميدانية، إلى تعذيب ممنهج ودفن جماعي للمعتقلين دون إبلاغ عائلاتهم.

الخيبة الأخيرة: ألم لا ينتهي

في الوقت الذي ينتظر فيه أهالي المعتقلين بارقة أمل مع كل إعلان جديد، ينتهي بهم الأمر إلى مزيد من الألم والخذلان.

“أم حسن”، والدة معتقل مفقود، تقول بمرارة:

“لم يعد لدينا سوى الدعاء، كل مرة نقول ربما يعود، ربما نعرف قبره. لكن حتى هذه الأمنية الصغيرة يبدو أنها مستحيلة”.

تجدد خيبات الأمل بعد عمليات الإفراج و “تبييض السجون” الأخير أجهز على ما تبقى من صبر لدى كثير من العائلات. ليعودوا إلى نقطة الصفر حاملين جرحًا لا يندمل.

تبقى مأساة المعتقلين في سجون النظام السوري واحدة من أشد المآسي إيلامًا في تاريخ الحرب السورية، مع غياب الحقيقة والعدالة. تستمر العائلات في عيش تفاصيل الفقدان اليومي، عالقة بين الأمل والخذلان. إن الكشف عن مصير المعتقلين وإنهاء هذا الغموض هو أقل ما يمكن تقديمه لتلك العائلات، التي تدفع ثمن الصمت والإهمال منذ سنوات.

مقالات ذات صلة