شهدت العاصمة السورية دمشق يوم أمس الخميس مظاهرة غير مسبوقة تطالب بدولة مدنية وترفض الحكم الديني والعسكري.
واحتشد المتظاهرون في ساحة الأمويين، حيث نظم “تجمع الشباب المدني” هذه الفعالية التي رفعت شعارات تدعو إلى إقامة دولة ديمقراطية مدنية، وتأتي هذه المظاهرة كأول حراك من نوعه بعد سقوط نظام الأسد، مما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السورية.
إثارة الجدل:
لم تمر هذه المظاهرة دون إثارة الجدل بين السوريين، خصوصاً أن “تجمع الشباب المدني”، المنظم للحراك، كان صامتاً طوال السنوات الثلاث عشرة الماضية، بل وعُرف عنه تأييده للنظام السابق، ورغم التأكيد على حق التظاهر كحق مشروع لكل فرد، إلا أن الكثيرين اعتبروا أن مشاركة شخصيات وجماعات كانت تدعم النظام تفتقر إلى المصداقية، خاصةً أنها كانت تمنح الشرعية والقوة للنظام الذي قمع الشعب لسنوات طويلة.
وعلّق الممثل السوري “فارس الحلو” عبر صفحته الشخصية قائلاً: “في سوريا الجديدة.. الاعتصام الجاد يبدأ بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء ثورة الحرية والكرامة”، هذا التصريح يعكس مطالب الكثيرين بضرورة التذكير بتضحيات السوريين قبل الحديث عن مطالب سياسية.
أما الإعلامي “قتيبة ياسين”، فقد أبدى موقفاً أكثر حدة، حيث كتب: “لست مع إقصاء أحد، لكن أكثر من نصف المشاركين في تجمع ساحة الأمويين هم من شبيحة الأسد، الذين رقصوا على البراميل فوق أجساد أطفالنا”.
وأشار إلى أن هؤلاء يحاولون الاندماج في المشهد الجديد دون الاعتراف بماضيهم أو تحمل مسؤولياتهم، محذراً من السماح لهم بتخريب منجزات الثورة.
مطالب بانتظار العدالة:
من جهته، نشر الممثل السوري “مازن الناطور” فيديو عبر صفحته الشخصية، أعرب فيه عن دعمه لحق التظاهر كحق مشروع لكل السوريين، لكنه وصف الخطوة المبكرة، وأشار إلى أن آلاف العائلات السورية ما زالت تبحث عن مصير أبنائها في السجون، حيث يوجد ما لا يقل عن 250 ألف عزاء مفتوح لعائلات فقدت أحبائها، واعتبر أن أولويات السوريين الآن يجب أن تتركز على تحقيق العدالة، والإفراج عن المعتقلين، وتأمين الحاجات الأساسية.
وأكد “الناطور” أن من حرر سوريا هم أبناؤها الذين عاشوا تجربة مريرة، مشيراً إلى ضرورة الابتعاد عن الانجرار وراء الأبواق الخارجية، ودعا المتظاهرين إلى التروي وعدم استباق الأحداث قبل معالجة جروح السوريين التي لا تزال مفتوحة.
هذه المظاهرة فتحت باباً واسعاً للنقاش حول مستقبل سوريا وشكل الحراك المدني فيها بعد سنوات من القمع والانقسام، ورغم أن المطالب بدولة مدنية تعد خطوة إيجابية، إلا أن مشاركة شخصيات مرتبطة بالنظام السابق قد تشكل عائقاً أمام بناء ثقة حقيقية بين السوريين، وبينما يسعى البعض لتحقيق مطالب سياسية، تظل العدالة لضحايا النظام والمعتقلين مطلباً أساسياً لا يمكن تجاوزه في طريق بناء سوريا جديدة.