احتفل المسيحيون السوريون بعيد الميلاد المجيد هذا العام في أجواء استثنائية، حيث يعد هذا الاحتفال الأول بعد سقوط نظام الأسد السابق، مما أضفى على المناسبة طابعاً خاصاً جمع بين الفرحة الدينية والوطنية.
وشهدت العاصمة دمشق تحولاً ملحوظاً في الأجواء الاحتفالية، حيث أعيد افتتاح “كريسماس ماركت” في أرض المعارض القديمة بعد إغلاقه لأسباب أمنية عقب التغييرات السياسية الأخيرة.
وتزينت شوارع المدينة بأضواء عيد الميلاد البهيجة، خاصة في حي باب شرقي التاريخي، الذي شهد احتفالات متميزة تضمنت الترانيم والصلوات التقليدية.
وفي مدينة حمص، ارتفعت أصوات المحتفلين على أنغام “ارفع راسك فوق انت سوري حر”، حيث أقيم قداس مهيب في كنيسة السيدة العذراء أم الزنار، أقدم كنائس المدينة.
وامتدت الاحتفالات إلى وادي النصارى في حمص، حيث تجمع المواطنون حول شجرة الميلاد المزينة في مشهد عكس الفرحة المزدوجة بالعيد والتغيير.
وفي تعبير ساخر عن التغيير الذي طرأ على الأوضاع الأمنية، تداول المحتفلون في حمص عبارة “بابا نويل اليوم مو أبو حيدر جوية”، في إشارة إلى التحول في المشهد الأمني وانتهاء حقبة القبضة الأمنية المشددة التي كانت سائدة في السابق، حسب مراقبين.
وفي ريف حماة، احتفل المسيحيون في مدينة سقيلبية تحت أضواء الألعاب النارية وبجوار شجرة عيد الميلاد التي تم ترميمها وتزيينها بشكل مميز، وسط هتافات عكست الأمل في مستقبل أفضل لسوريا الجديدة.
كما نظّم أبناء محردة كرنفالاً بمناسبة عيد الميلاد، حيث تم الاحتفال بافتتاح القرية الميلادية أمام كنيسة رقاد السيدة العذراء.
أما في محافظة الحسكة، فقد شهدت الاحتفالات طابعاً خاصاً، حيث توافد المسيحيون إلى الكنائس للمشاركة في الطقوس الدينية.
وفي كنيسة مار جرجس، ترأس المطران موريس عمسيح، مطران الجزيرة والفرات، قداساً خاصاً اختتم بإشعال الشموع وإيقاد شعلة الأمنيات، في رمزية للأمل المتجدد.
وفي القامشلي، قدم الفوج الكشفي الرابع للسريان الأرثوذكس عرضاً كشفياً وترانيم ميلادية في كاتدرائية مار يعقوب النصيبيني.
وشهدت مدينة السويداء احتفالية حاشدة في ساحة الكرامة بالتزامن مع الاحتفالات بعيد الميلاد، عكست الوحدة الوطنية بين جميع مكونات المجتمع السوري.
وفي رسالة معبرة، أكد أهالي معلولا بريف دمشق أن “معلولا وأي منطقة بسوريا ستنهض بأبنائها من كل الطوائف ولا وجود للطائفية بيننا”، في تأكيد على روح الوحدة الوطنية التي تسود المشهد السوري الجديد.
من جهته، قال الأكاديمي الدكتور ريمون معلولي لمنصة SY24: “اعتاد السوريون بمختلف دياناتهم وطوائفهم أن تكون فرحتهم مؤجلة بأعيادهم الدينية، وغالباً كانوا يرددون عبارات مثل (إن شاء الله العيد القادم بيكون أحلى)، و(إن شاء الله نلتقي العيد القادم مجبوروا الخاطر) بلقاء من يحبون أكان الغائب في بلاد الشتات أو في معتقلات النظام وغيرها من عبارات الترجي والتمني بأعياد اجمل”.
وأضاف “لأول مرة ومنذ عقود يحتفل المسيحيون بذكرى ميلاد السيد المسيح وقد حل هذا العام بعد سقوط الطاغية واختفاء عصابته وبخاصة أجهزته الأمنية، وشعروا بأن (العيد غير)، تتنازعهم مشاعر مختلطة بين الفرح والشعور بالحرية وتبادل التهاني مع الآخرين، وبين التحفظ والحذر من إطلاق العنان في التعبير الصريح عن أملهم بأن عهداً جديداً لبلدهم سوريا قد بدأ فعلاً”.
وتابع: “سورية تعيش هذه الأيام بمخاض صعب، فالقديم بكل قذاراته يأبى أن ينصرف والجديد مع وعوده وإرهاصاته المُحملة بالأمل ما زال في بداياته، إذ يحاول القديم تهديد الجديد الوليد، لكن الجديد يؤكد حضوره وإصراره على اكتمال ولادته”.
وأشار إلى أن “المسيحيين تلقوا تأكيد القيادة الجديدة بأنهم سوف يكونون بأمان وأن حريتهم مضمونه في ممارسة طقوس عباداتهم، وبدورهم قدم ممثلو الكنيسة لأبناء رعيتهم خطابات الطمأنة ودعوتهم كي يتابعوا حياتهم الدينية وطقوسهم الدينية بحرية”.
وختم قائلاً: “إنها حياة جديدة وتجربة لم يختبرها مسيحيو سورية منذ عقود، حيث يمكنهم الاحتفال بميلاد المُخلص -المسيح- من دون خوف، فقد رحل نظام التوحش الأسدي إلى غير رجعة”.
وعبّر مسيحيو سوريا في الوطن والمهجر عن آمالهم العميقة في مستقبل البلاد، قائلين: “نتمنى من أعماق قلوبنا أن يحمل هذا العيد معه بارقة أمل وسلام لشعبنا في سوريا، الذي عانى الكثير من الألم والمعاناة، فعيد الميلاد هو رمز للمحبة والسلام وندعو الله أن يكون هذا العيد بداية لصفحة جديدة مليئة بالأمان والوئام”.
وأضافوا “لنجعل من هذا العيد فرصة لنشر المحبة والتكاتف بين أبناء شعبنا، بغض النظر عن الاختلافات، فالفرح الحقيقي يكمن في التآزر والعمل معاً لبناء مستقبل أفضل، كل عام وسوريا وشعبها بخير وأملنا أن تحمل الأيام القادمة معها الأمن والاستقرار الذي طال انتظاره”.
وحول كل تلك الاحتفالات، قال جميل ديار بكرلي، المدير التنفيذي للمرصد الآشوري لحقوق الإنسان لمنصة SY24: إن “المسيحيون في سوريا يتوسمون خيراً بسقوط الديكتاتور أسد، وقد شعروا بأن سوريا بلا الأسد ونظامه أفضل وأكثر حرية”.
وأضاف أنه “يشوب هذا الفرح خوف وقلق من المستقبل كونهم يتطلعون لتشكيل دولتهم بأسرع وقت وكتابة دستور يحقق آمال وتطلعات كل السوريين”.
وتابع: “عيد الميلاد هذا العام جاء بنكهة مختلفة على السوريين فكما ينتظر المسيحيون ولادة المسيح ملك السلام والمحبة والوئام هكذا انتظر السوريون ولادة سوريا الحرية والتعددية والمساواة، سوريا الجديدة”.
وختم قائلاً: “نحن نصلي في هذه المناسبة لكي تكون سوريا في العيد المقبل أكثر استقرار وتقدما وازدهارا”.
يشار إلى أن الحكومة المؤقتة أصدرت قرارًا بمنح عطلة رسمية لمدة يومين للجهات الحكومية، بمناسبة “عيد الميلاد”، موضحة في بيان: “تُمنح عطلة رسمية لجميع العاملين في المؤسسات الحكومية يومي الأربعاء والخميس الموافقين 25 و26 كانون الأول 2024″.