تشهد مناطق متفرقة في الداخل السوري موجة حادة من الأمراض التنفسية، وسط انخفاض كبير في درجات الحرارة وانعدام وسائل التدفئة، مما يفاقم معاناة السكان الذين يواجهون شتاءً قارساً بأدوات بدائية وغير فعالة.
أوضاع إنسانية صعبة
تعاني مئات آلاف العوائل من غياب وسائل التدفئة الأساسية بسبب الغلاء الفاحش في أسعار المحروقات، والانقطاع المتكرر للكهرباء، ومع رداءة البدائل المتوفرة مثل الفحم المحلي، و”البيرين” وهو تفل الزيتون، أصبح الاعتماد على هذه الوسائل البديلة يشكل خطراً إضافياً بسبب انبعاث الأبخرة السامة التي تؤثر بشكل مباشر على صحة الأطفال وكبار السن.
“لم أشعل المدفأة منذ بداية الشتاء”، بهذه الكلمات بدأت أم محمود، وهي أم لثلاثة أطفال وتقيم في مدينة برزة بدمشق، حديثها عن معاناتها اليومية مع البرد القارس الذي ينهش أجساد أطفالها، وأضافت بحسرة:
“ليس لدينا خيار، أسعار المحروقات تجاوزت قدرتنا بكثير، وحتى حطب مكلف جداً، حاولت أن أوفر القليل لتدفئة المنزل، لكن في النهاية اضطررت لصرف كل ما لدي لشراء أدوية الرشح والزكام لأطفالي الذين أصيبوا بسبب البرد، نحن في وضع صعب، لا نملك وسائل للتدفئة، ولا حتى قدرة على مواجهة تكاليف المرض”.
تشير” أم محمود” إلى أن الوضع لم يكن بهذه القسوة في الأعوام السابقة، حيث كان يمكنها تدبر أمرها بوسائل بسيطة، لكنها اليوم تشعر بالعجز في ظل ارتفاع غير مسبوق في الأسعار وانعدام المساعدات، وتختم بحزن:
“كأننا نحارب البرد بأجسادنا فقط، وليس لدينا من يساعدنا في هذه الشتاء”.
هذه الحال تمثل شريحة واسعة من الأهالي في معظم المحافظات السورية، حيث أصبح ارتفاع أسعار مواد التدفئة كابوساً يثقل كاهل الفقراء ومحدودي الدخل، مع استمرار الغلاء الفاحش، باتت فكرة تشغيل المدافئ رفاهية لا يستطيع معظم السكان تحملها، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وانخفاض قيمة الدخل، وأصبح تأمين مواد التدفئة من مازوت وفحم وحتى الحطب تحدياً يومياً يواجه آلاف العائلات التي تجد نفسها مضطرة للاختيار بين تأمين لقمة العيش أو التدفئة، بينما يبقى الكثيرون دون حلول تُذكر أمام شتاء قارس تزداد معه الأمراض والمآسي.
“أبو أحمد” ،أحد سكان ريف إدلب، قال:”نحن مضطرون لحرق أي شيء يمكننا الحصول عليه لتدفئة أطفالنا، ولكن هذه المواد تطلق روائح وأبخرة تسبب السعال وضيق التنفس، لا نستطيع تحمل تكاليف المحروقات أو حتى شراء مدفأة جيدة”.
ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض التنفسية
الدكتور” محمد ديب” ، اختصاصي صدرية وأمراض أطفال، أوضح أن الموجة الأخيرة من البرد تسببت في انتشار واسع لأمراض التهاب القصبات الحادة والشعب الهوائية، إضافة إلى التهابات الحلق، وأكد أن السبب الرئيسي يعود إلى استنشاق الأدخنة السامة الناجمة عن حرق المواد الرديئة، إلى جانب تأثير البرودة الشديدة على مناعة الأطفال.
وأشار الدكتور ديب إلى ضرورة التدخل السريع لتوفير وسائل تدفئة آمنة قائلاً:”المنطقة بحاجة ماسة إلى دعم عاجل لتوفير وسائل تدفئة آمنة وتوعية السكان حول مخاطر استخدام المواد الرديئة، وخاصة مع تزايد عدد الأطفال المصابين الذين يراجعون العيادات يومياً”.
دعوات للمنظمات الإنسانية
في ظل هذه الظروف، تزداد الدعوات للمنظمات الإنسانية المحلية والدولية لتقديم الدعم للسكان في هذه المناطق، ويطالب الأهالي بتوفير وقود مدعوم ووسائل تدفئة آمنة تساعدهم في تجاوز أشهر الشتاء القاسية دون تهديد لصحتهم وحياتهم، إذ تبقى معاناة الشتاء في سوريا مشهداً متكرراً يعكس مأساة إنسانية مركبة، تتطلب حلولاً عاجلة لتخفيف العبء عن كاهل السكان المحاصرين بين قسوة البرد وضيق الحال.