يشهد سوق السيارات في سوريا في الآونة الأخيرة حالة من التخبط والتقلبات الملحوظة في الأسعار، وهو ما برز بشكل واضح خلال الأسابيع الأخيرة، وزيادة الطلب على السيارات المستعملة من مختلف المحافظات السورية خاصة من دمشق وحلب كان له تأثير كبير على السوق، هذا التزايد في الطلب كان له أثر مباشر في رفع أسعار السيارات، ولا سيما السيارات الأوروبية المستعملة في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، التي تعد مركزاً مهماً لاستيراد السيارات في المنطقة.
تعتبر محافظة إدلب من أبرز المناطق التي تشهد حركة استيراد واسعة للسيارات، حيث تسجل تجمعاً كبيراً للسيارات المستعملة من مختلف الأنواع، ويعود السبب في ذلك إلى الفارق الكبير في الأسعار بين إدلب والمناطق الأخرى في سوريا، فضلاً عن وجود نوع من السيارات يُسمى “القصة”، وهي سيارات مجمّعة محلياً في المنطقة، وهي أرخص من السيارات الأوروبية المستعملة.
مع تحرير مناطق جديدة في سوريا، وانفتاح المحافظات على بعضها البعض، نشأت حركة تنقل كبيرة بين المحافظات، مما أدى إلى تزايد الإقبال على شراء السيارات المستعملة، ومن أبرز هذه التحركات كان الإقبال من قبل سوريين من مناطق أخرى على شراء السيارات المستعملة في إدلب، بسبب الفارق الكبير في الأسعار بين إدلب وبقية المناطق السورية.
ومع ذلك، هذه الزيادة في الطلب لم تخلُ من استغلال من قبل بعض التجار، فقد ارتفعت أسعار السيارات بنسبة تراوحت بين 30 إلى 50 بالمئة حسب نوع السيارة، مما أثار استياء العديد من المواطنين، يقول “عدنان علي” من ريف دمشق، إنه تعرض لاستغلال كبير من قبل تجار السيارات أثناء محاولته عرض سيارته من نوع كيا “سبورتاج” للبيع، حيث دفع له مكتب بيع السيارات 3500 دولار فقط بحجة تخبط السوق، وعندما حاول شراء سيارة مماثلة، طلب منه المكتب مبلغ 4800 دولار تقريباً، مستغلاً زيادة الطلب على السوق.
من جهة أخرى، قدم “أبو علي”، وهو تاجر سيارات في مدينة سرمدا، نصيحة بعدم الشراء أو البيع في الوقت الحالي بسبب حالة التخبط التي يعاني منها السوق، وفي حديثه لمراسلتنا، أوضح أن الوضع الحالي غير مستقر، وقال: “لا أنصح أحداً ببيع السيارات إلى حين صدور تعليمات رسمية بشأن السيارات مع بداية العام الجديد، ووضوح آلية الرسوم المترتبة عليها من رسوم وجمارك وغيرها، بالإضافة إلى معرفة مصير الاستيراد المستقبلي للسيارات الأوروبية المستعملة، كل هذه العوامل ستساهم في تحديد الأسعار بشكل أكثر وضوحاً”.
في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، حيث يعاني الاقتصاد السوري من أزمة خانقة بسبب سنوات الحرب الطويلة والعقوبات الاقتصادية، يظل سوق السيارات أحد القطاعات التي تتأثر بشكل كبير بهذه الظروف، رغم تحسن الأوضاع الأمنية في بعض المناطق، إلا أن ذلك لا يضمن استقرار الأسواق، بل قد يكون سبباً في حدوث تقلبات كبيرة في الأسعار، والارتفاع في الأسعار يعتبر مؤشراً على طلب زائد مقابل عرض محدود، ما يساهم في زيادة استغلال التجار للمواطنين.
كما أن نقص السيولة النقدية لدى غالبية السوريين، وضعف القدرة الشرائية، يجعل السوق يعتمد بشكل كبير على السيارات المستعملة كحل اقتصادي بديل، هذه العوامل تجعل سوق السيارات في إدلب خاصة عرضة للتلاعبات التجارية، حيث يستغل التجار الأوضاع الراهنة لرفع الأسعار دون مبررات منطقية.
يواجه سوق السيارات في سوريا تحديات عديدة في ظل الظروف الراهنة من تقلبات الأسعار ونقص في التنظيم والرقابة، من الضروري أن تتدخل الجهات المعنية لوضع آليات واضحة لتنظيم السوق وضمان استقرار الأسعار، خاصة مع بداية العام الجديد، كما أن ضرورة صدور تعليمات رسمية تتعلق برسوم السيارات وآلية تسجيلها من شأنه أن يساهم في تقليل الفوضى والحد من استغلال المواطنين، حتى ذلك الحين، يبقى نصح الخبراء بعدم الإقبال على شراء أو بيع السيارات في الوقت الراهن الحل الأمثل لحماية مصالح المواطنين.