تعديل المناهج التعليمية في سوريا.. خطوة تثير جدلاً واسعاً

Facebook
WhatsApp
Telegram

SY24 -خاص

أصدرت الحكومة المؤقتة في سوريا قراراً بتعديل المنهاج التعليمي للعام الدراسي 2025، وهو القرار الذي أثار موجة عارمة من الجدل والرفض بين السوريين داخل البلاد وخارجها.

التعديلات المثيرة للجدل

وشملت التعديلات حذف صفحات وفقرات وجمل وصور من عدد من المناهج، مع إزالة كل ما هو متعلق بالنظام السابق. ومن أبرز التغييرات التي أثارت الجدل:

حذف شخصيات تاريخية: تم حذف شخصيات مثل زنوبيا وخولة بنت الأزور، مع وصف الأخيرة بأنها “شخصية خيالية”.

تغيير العبارات الوطنية: تم استبدال عبارات مثل “الشجاع يدافع عن سبيل الوطن” بعبارة “في سبيل الله”، وتغيير كلمة “طاهر” إلى “طهور”.

التركيز على الشرع: تم استبدال عبارة “يحكمه قانون العدل” بـ”شرع الله”، وحذف عبارة “الالتزام بالشرع والقانون” واستبدالها بـ”الالتزام بالشرع”.

تغيير المبادئ الإنسانية: تم استبدال مبدأ “الإخوة الإنسانية” بـ”الإخوة الإيمانية”.

وفي بيان رسمي، أعلنت وزارة التربية السورية عن إجراء تعديلات واسعة على المناهج الدراسية، حيث تم إلغاء مادة “التربية الوطنية” بشكل كامل، واستبدالها بمادة “التربية الدينية”، سواء الإسلامية أو المسيحية.

وأوضح وزير التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، نذير القادري، أن القرار جاء نتيجة احتواء مادة التربية الوطنية على “معلومات مغلوطة” تهدف إلى تعزيز الدعاية لنظام الأسد السابق وترسيخ قواعد حزبه.

انتقادات لغياب اللجنة العلمية.

التعديلات، التي شملت حذف وتعديل مواد وفقرات وصور وعبارات في المناهج الدراسية من الصف الأول وحتى الثالث الثانوي، اعتُبرت من قبل الكثيرين خطوة مثيرة للقلق، لا سيما في ظل الظروف السياسية والاجتماعية الحساسة التي تمر بها سوريا.

وفي هذا الجانب، انتقد إبراهيم قديراني، عضو نقابة حلب للمعلمين الأحرار، غياب اللجان العلمية المتخصصة في تعديل المناهج، مشيراً في حديثه إلى منصة SY24 إلى أن هذه التعديلات تمت دون أسس علمية أو خبرات متخصصة.

ردود فعل غاضبة تحذيرات من تداعيات مجتمعية

ولم تمر هذه التعديلات دون أن تثير موجة من الغضب والانتقادات، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث رأى العديد من السوريين أنها تؤسس لفكر مغلق وتعمق الانقسامات المجتمعية.

الصحفي إبراهيم هايل وصف التعديلات بأنها “تغييرات جوهرية لها تداعيات مجتمعية بعيدة المدى”، مؤكداً أنها تقوض مبادئ الحكم المشترك والوحدة الوطنية.

وأضاف هايل: “هذه التعديلات تفصل الطلاب السوريين عن الواقع المعرفي والعلمي والتعايشي، وتلغي كل ما هو وطني. إنها تغييرات خطيرة تتعارض مع مبادئ التنوع والوحدة التي يجب أن تسود في سوريا الجديدة”.

من جهته، اعتبر المحامي معتصم الكيلاني، أن تعديل المناهج التعليمية يحتاج إلى حكومة انتقالية جامعة وهيئة بحث علمي، وليس حكومة تسيير أعمال “خدمية” كما وصفها، وأكد على أن مثل هذه القرارات يجب أن تُترك لحكومة منتخبة وليس لحكومة مؤقتة.

وأشار الأكاديمي عبد الرحمن الحاج، إلى أن مثل هذه التعديلات “مكلفة للغاية”، مؤكداً أن وزير التربية في حكومة تسيير الأعمال لا يملك صلاحية إحداث تغيير جوهري في هوية المناهج.

وأضاف: “مهمة الوزير تقتصر على تكييف المناهج لتتماشى مع الأوضاع الجديدة، وليس تغييرها بشكل جذري. هوية المناهج يحددها الدستور الجديد، وليس وجهة نظر شخصية لوزير التربية”.

ووصفت الصحفية هنادي الخطيب، التعديلات بأنها “أخطر ما حدث منذ سقوط الأسد”، مشيرة إلى أنها لم تقتصر على حذف ما يمجد النظام السابق، بل امتدت لتشمل التاريخ والعلوم والديانة والفلسفة.

وقالت الخطيب: “التغيير لم يقتصر على حذف وإلغاء كل ما يمجد حكم الأسد وعائلته، وإنما امتد ليشمل التاريخ والعلوم والديانة والفلسفة. هذا أمر مرفوض وخطير ويستوجب تشكيل لجنة علمية في جميع الاختصاصات لتغيير المناهج المدرسية”.

ومن أبرز التغييرات التي أثارت قلق الخطيب: حذف فقرات تتعلق بالآلهة  في كتب التاريخ والفلسفة، استبدال عبارات وطنية مثل “الدفاع عن الوطن” لتصبح “في سبيل الله” في التربية الدينية، حذف الوحدة الكاملة المتعلقة بـ”أصل وتطور الحياة” وحذف فقرة “تطور الدماغ” بالكامل من مادة العلوم، حذف الدرس الذي يحمل عنوان “أصل الحياة وتطورها على الأرض في مادة العلوم للصف الثامن، استبدال عبارات مثل “المغضوب عليهم” و”الضالين” بعبارات مثل “اليهود والنصارى” في مادة التربية الدينية.

تعديلات تجر إلى الكثير من المشكلات

وتعالت الأصوات من سوريين مطالبة بعدم المضي في هذه التعديلات، نظراً لآثارها السلبية على العملية التعليمية والنسيج المجتمعي، مطالبين بترك هذه الأمور إلى حين إعداد الدستور الجديد وإجراء الانتخابات والوصول إلى الاستقرار السياسي.

وقال فايز القنطار، وهو أستاذ سابق في جامعة دمشق لمنصة SY24: “إن هذه التعديلات تعبر عن حالة من التخبط والشعور بعدم الاستقرار، فمن غير المفهوم هذا التعديل، فنحن نتفهم شطب كل ما يشير إلى العائلة الأسدية الفاسدة ولكن أن يأخذ التعديل منحى طائفي والتركيز على اليهود والنصارى لا معنى له ويجر إلى الكثير من المشكلات”.

وتابع: “إن أنظار العالم القريب والبعيد تتجه اليوم إلى دمشق، وبالتالي من غير المعلوم ما ستكون نتائج هذا السلوك الذي كان من الممكن تأجيله وتحويل المناهج لخبراء مختصين للنظر فيها على المدى البعيد”، مؤكد أن هناك خطأ وهناك ارتجالية في هذه الفترة غير مفهومة، ولذلك لا يمكن أن تفرض مثل هذه الأفكار حتى على المتشددين أنفسهم، داعيا إلى التريث في مثل هكذا تصرفات حتى يبدأ الشراكة مع السوريين ومع القوى الأخرى قبل الإقدام على مثل هذه الخطوات، حسب تعبيره.

ضرورة الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة

ورأى الأكاديمي فواز العواد: “أن إعادة صياغة المناهج الدراسية بما يتماشى مع دستور جديد يعكس إرادة كافة أطياف الشعب السوري”، لافتاً إلى أن: “إعادة تصميم المناهج الدراسية لتكون شاملة ومرنة، وذات محتوى قيمي وأخلاقي مستند إلى تاريخنا وحضارتنا العريقة، وبما يتناسب مع احتياجات المجتمع السوري ومتطلبات التنمية المستدامة، يمثل خطوة حاسمة، كما يجب أن تستلهم هذه المناهج من التجارب الدولية الناجحة للدول التي عانت من صراعات مشابهة، مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات التكنولوجية والعلمية الحديثة”.

دعوات إلى التريث وإشراك الخبراء

واعتبر الباحث طلال مصطفى وهو أستاذ علم الاجتماع سابقاً في جامعة دمشق لمنصة SY24: “إن موضوع تعديل المناهج التعليمية حالة صحية ولكن ليس بتلك السرعة التي حصلت في سوريا، فالموضوع اي تعديل المناهج يحتاج إلى لجان علمية متخصصة، وقبل ذلك يتوجب إيجاد دليل علمي للتعديل ولمدة زمنية قد تمتد الى العام الكامل، أما في الوقت الحاضر يمكن إرسال تعميم إلى كافة المدارس بإلغاء كافة الدروس والفقرات التي تتعلق بتمجيد نظام الأسد الساقط وخاصة في المواد الاجتماعية”.

وأضاف “أما بالنسبة لمادة التربية القومية يمكن استبدالها مباشرة بمقرر كان يدرس في المدارس قبل عام 1980 بعنوان مجتمع سياسي أو يمكن تسميته المجتمع السوري مؤقتا هذا العام وريثما تتشكل لجان علمية متخصصة في المناهج التعليمية، أما التعديلات العشوائية الحالية فغير مقبولة ولا علاقة لها بالتعليم السليم”.

السؤال الأكبر: هل ستتراجع الحكومة المؤقتة؟

ووسط كل ذلك، يبدو أن قرار تعديل المناهج التعليمية في سوريا قد فتح باباً جديداً من الجدل حول مستقبل التعليم في البلاد، في حين يبقى السؤال الأكبر: هل ستتراجع الحكومة المؤقتة عن قرارها، أم ستستمر في المضي قدماً في هذه التعديلات المثيرة للجدل؟

وأوضح وزير التربية في بيان، اليوم الخميس، أن المناهج الدراسية في جميع مدارس سوريا ما زالت على وضعها حتى تُشَكِّل لجان اختصاصية لمراجعة المناهج وتدقيقها،

وأكد على أنه تم التوجيه فقط بحذف ما يتعلق بما يمجد نظام الأسد السابق، واعتمدنا صور علم الثورة السورية بدل علم النظام البائد في جميع الكتب المدرسية،

وبيّن أن ما تم الإعلان عنه هو تعديل لبعض المعلومات المغلوطة التي اعتمدها نظام الأسد البائد في منهاج مادة التربية الإسلامية، مثل شرح بعض الآيات القرآنية بطريقة مغلوطة، وقد تم شرحها الصحيح كما ورد في كتب التفسير للمراحل الدراسية كافة.

مقالات ذات صلة