مع انهيار نظام الأسد السابق، تتجه أنظار الرياضيين السوريين المنشقين نحو التطورات الجديدة في القطاع الرياضي، الذي عانى لسنوات طويلة من التردي بسبب الفساد والمحسوبيات وسيطرة المتنفذين المدعومين من أجهزة أمن النظام.
واليوم، يطرح الرياضيون السوريون، خاصة المنشقين منهم، تساؤلات حول كيفية تنظيمهم في الهيكل الرياضي الجديد، ورؤية القائمين على الاتحاد الرياضي الحالي في احتواء هذه الكفاءات، وما إذا كانت لهم الكلمة الفصل في النهوض بالواقع الرياضي أم سيظل الاعتماد على شخصيات كانت مرتبطة بالنظام السابق.
بداية جديدة بقيادة محمد الحامض
وفي منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي، كلفت الحكومة المؤقتة محمد الحامض بإدارة الاتحاد الرياضي السوري، خلفاً للمدعو فراس معلا.
ومنذ توليه المنصب، حملت تصريحات الحامض الكثير من التفاؤل للرياضيين السوريين، خاصة أولئك الذين أعلنوا انشقاقهم عن النظام السابق. ومن أبرز ما أعلنه الحامض: إعادة هيكلة الاتحاد الرياضي العام، حيث أكد أن الاستثمارات الرياضية كانت تُدار بشكل خاطئ وفقاً للمحسوبيات، وليس وفقاً لمعايير الكفاءة، كما سيتم إعادة دراسة جميع عقود الاستثمار مركزياً وفي الأندية من خلال لجان قانونية، مع محاسبة المسؤولين عن العقود “الجائرة”.
كما أعلن الحامض عن تشكيل لجان مؤقتة لاتحادات الألعاب ستكون مسؤولة عن الشأن الفني، دون تدخل من الإدارة العليا، إضافة إلى إعادة تأهيل المنشآت الرياضية مثل ملعب العباسيين، الذي وصفه الحامض بأنه “رمز كبير لمدينة دمشق”، مؤكداً أن وضعه الحالي غير مقبول.
وأكد الحامض كذلك على ضرورة استقطاب خبرات رياضية على مستوى عالٍ، وإصدار قوانين جديدة لتحقيق الأهداف المرجوة.
تساؤلات حول دور الرياضيين المنشقين
ورغم هذه التصريحات المتفائلة، لا يزال القلق يسود بين العديد من الرياضيين السوريين، خاصة المنشقين الذين كانوا ينشطون في شمال سوريا أو في المغترب، متسائلين عن كيفية تنظيمهم في الهيكل الرياضي الجديد، وما إذا كانت لهم كلمة في رسم مستقبل الرياضة السورية، أم أن الاتحاد سيظل يعتمد على شخصيات كانت مرتبطة بالنظام السابق.
وردا على ذلك، قال فراس تيت رئيس مكتب الألعاب الجماعية في المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام لمنصة SY24: “استلمنا الإتحاد الرياضي منذ 20 يوماً، نصفهم عطلة أعياد رأس السنة، وبالتالي نحن أمام فترة دوام فعلي لم تتعدى الـ 10 أيام فقط”، مشيرا إلى أن “الرياضة السورية في أسوأ أيامها بكافة ألعابها”.
وأكد قائلاً: “إن من حق الذين ضحوا بالغالي والنفيس وبمستقبلهم أن يكون لهم دور في بناء المؤسسة الرياضية، ولا يمنع الاستعانة بالخبرات الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب السوري، ولكن نحن بحاجة إلى الكثير من الوقت والصبر”.
مقترحات لتطوير القطاع الرياضي
وفي هذا السياق، تحدث مهتمون بقطاع الرياضة عن الرؤية المستقبلية للرياضة السورية، مشيرين في ذات الوقت إلى الأخطاء التي أثرت على سمعة هذا القطاع الهام.
وفي هذا الجانب، قال مهند محمد دبا، وهو حكم دولي سوري سابق ومدير لجنة الحكام السورية سابقا لمنصة SY24: “الرؤية المستقبلية يجب وبكل تأكيد وهو مطلب شعبي إحداث وزارة للرياضة والشباب مما يلغي بشكل أوتوماتيكي التبعية للحزب الحاكم الساقط، وهذا يحتاج إلى إعادة كتابة اللوائح والقوانين الناظمة للعلاقة ما بين الأندية والاتحادات والوزارة وخصوصا الجانب المالي”.
وأضاف: “لنعترف وبكل شفافية بأن هناك أخطاء إدارية وبالمراسلات وقعت نتيجة عدة أسباب: عدم تواجد الخبرات والكفاءات الأكاديمية وطبعا إبعادها أو تحييدها (تطفيشها)، وكل ذلك على حساب سمعة الرياضة السورية، ما أدى إلى عدم ثقة الاتحادات القارية الإقليمية الدولية لاحقا بخبراتنا للتواجد أو تمثيلنا في الاتحاد العربي الآسيوي الدولي الأولمبي”.
وعن المطلوب للنهوض بالرياضة السورية اليوم، أوضح دبا قائلا: “أولا وقبل أي شيء التطهير الشامل واقتلاع جذور الفساد الإداري المالي وحتى الأخلاقي ثم العمل والعمل والعمل، والحلول كثيرة ومتعددة”.
إصلاحات صعبة لكن ليست مستحيلة
وفي الوقت الذي تعلو فيه الأصوات المطالبة بإصلاحات جذرية، يبدو أن الطريق نحو النهوض بالرياضة السورية ما زال طويلاً، لكنه ليس مستحيلاً.
من حهته، قال أنس حسين، حكم كرة قدم منشق ومؤسس في الهيئة العامة للرياضة والشباب وأحد أبرز مؤسسي منتخب سوريا الحر في تركيا لمنصة SY24: “المطلوب لتنظيم الرياضيين الأحرار في المناطق المحررة وبلاد اللجوء، إعادة قيودهم الى ما كانت عليه قبل الثورة وخلق حالة من تنظيم أو دمج الأندية المستحدثة أو المُشكلة في ظل الثورة بالمناطق المحررة وفق خطة لا تتعارض مع قوانين الاتحادات الدولية لكل لعبة”.
وأضاف: “إلى الآن لم يقم الاتحاد الرياضي العام بالبدء بهذه الخطوات، وأجد أن هذا الاتحاد ممثلا برئيسه الحامض غير كفؤ والدليل أن هذا الاتحاد لم يضع أي خطة عمل وأشك شخصياً بقدرة الحامض على إدارة الملف الرياضي، فملف إدلب يختلف كليآ عن ملف الرياضة السورية، والظروف (المادية) التي جاءت بالحامض إلى سدة الرياضة في إدلب غير موجودة في دمشق”.
يشار إلى أن الحامض ترأس عام 2020 مديرية الشباب والرياضة في “حكومة الإنقاذ” بمدينة إدلب، ونجح في تنظيم دوريات رياضية تميّزت بجودة عالية، تضاهي في تنظيمها الدوري السوري من حيث الإدارة، التحكيم، والتصوير.
المطلوب تنظيم الرياضيين المنشقين في مراكز مهمة
وتابع حسين: “قلناها سابقا أن بناء الرياضة السورية ينجح بحالة وحيدة هي تنظيم الرياضيين المنشقين في مراكز مهمة عبر استغلال حالة اللفظ لنظام الأسد ورموزه في الرياضة مع الاستفادة من خبرات الرياضيين الذين لم يكن لهم موقف مؤيد للنظام”.
وذكّر حسين في سياق حديثه، بأن: “فراس معلا لا زال رئيسا للجنة الأولمبية السورية وهذا يعني أن وجود الحامض في مقر الاتحاد الرياضي العام لا يقدم ولا يؤخر، ويثبت أن هذا الملف أكبر من إمكانيات الحامض وأن الأحرار عندما نجحوا في الشمال وبلاد الاغتراب نجحوا بجهود شخصية”.
ووسط كل ذلك، وبين التفاؤل الذي تحمله تصريحات محمد الحامض، والتوجس الذي يعتري الرياضيين السوريين الأحرار. يبقى مستقبل الرياضة السورية مرهوناً بقدرة القائمين على الاتحاد الرياضي الجديد على تحقيق التوازن بين استيعاب الكفاءات المنشقة وبناء هيكل رياضي جديد بعيداً عن الفساد والمحسوبيات.
الجدير ذكره، أن منتخب النظام السابق لكرة القدم، الذي عانى من تدني المستوى والأداء الضعيف مقارنة بمنتخبات الدول الأخرى. مادة دسمة للسخرية والتهكم، حتى من قبل القاطنين في مناطق سيطرة النظام أنفسهم.
ويأمل الرياضيون السوريون أن يشهد المنتخب الوطني، والرياضة السورية عموماً. نهضة حقيقية في ظل الهيكل الجديد. بعيداً عن إرث النظام السابق.