بين الدمار والألغام.. رحلة العودة إلى المناطق السورية المتأثرة بالحرب

Facebook
WhatsApp
Telegram

SY24 -خاص

هل أصبحت العودة إلى الديار حلماً بعيد المنال للعديد من العائلات السورية التي تعيش في المخيمات؟ يتساءل مصطفى يحيى، أحد سكان بلدة حاس بريف إدلب الجنوبي، الذي عبّر عن مشاعر مختلطة بشأن عودة النازحين إلى منازلهم بعد تحرير البلاد، قائلاً:

“نحن سعداء جدًا بتحرير سوريا، وكانت فرحتنا لا توصف، ولا نريد أن نُفسد هذه الفرحة، لكن الحقيقة أن هناك غصة كبيرة في قلوبنا، فقدنا في ريف إدلب أولادنا، وبيوتنا، وأشجارنا، وتحولت مناطقنا إلى أراضٍ قاحلة لا تصلح حتى لعيش الحيوانات.

وأضاف، “مازلنا نعيش في المخيمات بلا أي مقومات للحياة الأساسية، الماء مقطوع، والأسعار ارتفعت بشكل جنوني، والمازوت إن وجد فهو باهظ الثمن، وحتى الخبز والماء والكهرباء أصبحت رفاهية بعيدة المنال”.

اختصر مصطفى واقع مئات آلاف العوائل، فرغم وجود الرغبة العميقة في العودة إلى مناطقهم، إلا أن الدمار الشامل للبنية التحتية، وانتشار الألغام، ووجود الأنفاق تحت المدن تظل عقبات كبرى تحول دون تحقيق ذلك،  وتتطلب العودة الآمنة جهوداً مضاعفة من جميع الأطراف المعنية، سواء على مستوى إعادة إعمار المناطق المتضررة أو توفير الحماية والأمن للعودة.

وأضاف مصطفى: “لقد دفعنا ثمن الثورة منذ بدايتها، وما زلنا ندفعه حتى بعد التحرير، فأين العدالة؟ نحن نعلم أن إصلاح الأوضاع في البلاد يحتاج إلى وقت، ونحن على استعداد للصبر لتحقيق ذلك، لكن تحقيق ذلك على أرض الواقع صعب للغاية”، وختم قائلاً: “على ما يبدو سنبقى في الخيام لفترة طويلة”.

تواجه العائلات في المخيمات السورية شمالي البلاد تحديات هائلة تعيق عودتهم إلى منازلهم، أبرزها تردي الأوضاع التعليمية وعدم توفر السكن الملائم، إذ يعاني الأطفال من نقص حاد في فرص التعليم نتيجة غياب المدارس المجهزة وافتقار المخيمات إلى بيئة تعليمية مستقرة، مما يؤدي إلى ارتفاع نسب التسرب المدرسي، بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم المنازل في المناطق الأصلية للعائلات إما مدمرة بالكامل أو بحاجة إلى ترميم كبير، مما يجعل العودة شبه مستحيلة دون دعم مادي كافٍ لإعادة تأهيلها.

وتبرز الحاجة الماسة إلى توفير خدمات أساسية لدعم النازحين، تشمل تأمين المساكن المؤقتة أو المساعدات لإعادة إعمار المنازل، بالإضافة إلى تعزيز البنية التحتية التعليمية داخل المخيمات وخارجها، كما يحتاج السكان إلى إمدادات ثابتة من المياه والمواد الغذائية، مع توفير الوقود للتدفئة في فصل الشتاء، ويؤكد السكان أن تأمين هذه الاحتياجات هو السبيل الوحيد لإعادة الحياة إلى المناطق المدمرة وضمان مستقبل أفضل لأطفالهم.

وفي ذات السياق قال مراسلنا في شمال سوريا: إن “العودة للأهالي في العديد من المناطق التي شهدت نزوحًا جماعيًا منذ سنوات الحرب، ما زالت ضعيفة للغاية، وذلك بسبب الدمار الهائل الذي لحق بالمنازل والبنى التحتية والمرافق الحيوية، مؤكداً أن الوضع في المناطق المتضررة يفرض تحديات كبيرة على العائلات الراغبة في العودة إلى منازلها، حيث ما تزال تعاني هذه المناطق من الخراب الشامل”.

وأضاف أن مناطق ريف حلب الشمالي أيضاً تشهد نفس التحديات، ففي مدينة تل رفعت، عاد حوالي 20% فقط من السكان إلى المدينة بعد سنوات من النزوح، إلا أن الدمار الذي لحق بالمنازل والبنية التحتية لا يزال يشكل عائقًا كبيرًا أمام العودة، بالإضافة إلى انتشار الألغام بكثافة في المناطق المحيطة، كما أن الأنفاق الموجودة تحت المدينة تزيد من تعقيد الوضع، مما يجعل العودة إلى الحياة الطبيعية في تل رفعت أمرًا صعباً للغاية.

وفي مناطق أخرى من ريف حلب الشمالي مثل منغ وبيانون ورتيان وماير وكفرحمرة وحريتان، الوضع ليس أفضل بكثير، هذه البلدات شهدت تدميرًا كبيرًا في المنازل والبنى التحتية، ولا تزال آثار الحرب واضحة على كل زاوية، الألغام المنتشرة في الأراضي الزراعية والشوارع تعرقل أي محاولات لإعادة الحياة إلى هذه المناطق، فيما تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، وبالتالي يجد السكان أنفسهم أمام معركة صعبة للبقاء أو العودة إلى حياة شبه مدمرة، ويعتمد الكثير منهم على المساعدات الإنسانية في المخيمات التي لجأوا إليها.

ورصد فريق “منسقو استجابة سوريا” اليوم في تقريره الصادر حديثاً حول الأضرار القطاعية الناجمة عن الصراع في سوريا، مشيرًا إلى تضرر البنية التحتية والمرافق العامة والمناطق السكنية في سبع محافظات، أبرزها إدلب وحلب وحمص ودمشق. وبيّن التقرير تضرر 161 منشأة صحية، و892 مدرسة، و511 فرنًا، إلى جانب تسجيل أضرار في 4,626 كيلومترًا من الطرق، و66 برج اتصالات، و7,393 كيلومترًا من شبكات الصرف الصحي، كما قُدّرت كمية الأنقاض الخرسانية بـ6.9 مليون طن، مع تضرر عشرات الآلاف من المنازل بدرجات متفاوتة.

وأشار التقرير إلى أن عملية التقييم تعتمد على فرق ميدانية وطائرات مسيّرة وتحليل بيانات رقمية، لكنها تواجه تحديات عدة مثل انتشار الألغام وضخامة حجم الأضرار، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى بعض المناطق المهجورة، وأكد الفريق أن هذه النتائج أولية وستُحدث باستمرار مع استكمال عمليات المسح لتوفير بيانات دقيقة وشاملة.

تظل العودة إلى المناطق السورية المتضررة أمرًا صعبًا في ظل الدمار الكبير وانتشار الألغام، مما يضع العائلات أمام خيارين صعبين: البقاء في المخيمات أو مواجهة مخاطر العودة، ورغم التحديات، يبقى الأمل في إعادة بناء الحياة مرهونًا بتوفير الأمن وإعادة إعمار المناطق المدمرة.

مقالات ذات صلة