مسلسل مستمر في كل مرة لساعات، يخرج البيان الختامي ليصيغ نقاطاً متعددة ومطالب متكررة، بعضها في سياق التغطية على بنود أخرى وبعضها في إطار الغاية من تلك الاجتماعات، التي تعقد في العاصمة الكازاخية أستانا.
اختتمت إذن الجولة التاسعة بمطالب ثلاث أبرزها كان مصير إدلب، التي احدودقت العيون متخوفة على ما ينتظرها، فالشمال السوري هو الخزان الذي ملئ بالمعارضة حتى حلا للبعض أن يطلق عليه سورية المصغرة بعد جرائم التهجير القسري، والتي جرت باتفاقات روسية مع بعض الفصائل المسيطرة على تلك المناطق، والمجتمع الدولي ينظر ويتابع ثم يختتم المبعوث الدولي كل مرحلة بالبروز على طاولة أستانا وسوتشي، وغيرها من الطاولات الذي من المفترض أن يكون هو حاضراً على مائدة جنيف ولكن!
محاولة نجحت كما قيمها الكثيرون، بالالتفاف على قرارات مجلس الأمن وبيان جنيف، لسلب حقوق الشعب السوري وتقرير مصيره على المزاج الروسي، حيث تراها روسيا باستتباب للوضع الأمني الممثل بما أطلق عليه زوراً “مناطق خفض التوتر”، ثم بانتخابات تُجرى في البلاد بحجة إعطاء السوريين حق تقرير حاكمهم من خلال صناديق الانتخابات (المستحيل تحقيقها) أو (المعلوم نتيجتها مسبقاً) مع وجود رأس النظام على الحكم، وسعت روسيا لذلك من خلال مؤتمر سوتشي للحوار الوطني، وكانت نتيجته الفشل ويتم إقحامه في كل مناسبة لإتمام محاولة الالتفاف، التي نجحت بأستانا وفشلت في سوتشي.
التطورات الأخيرة بما يخص الاتفاق النووي والمناوشات التي جرت بين الكيان الإسرائيل وإيران، مع حالة روسية تقول “فخار يكسر بعضه” تودي بإيران إلى عزلة عن الملف السوري على أقل تقدير، فالكيان الإسرائيلي أصبح في حالة تدخل مباشر على الأراضي السورية وهناك عدم قبول بإيران وتواجدها بعد انتهاء مهمتها بـ (إقصاء الشعب السوري) الذي دفع ضريبة العالم بسبب حلمه بالحرية.
إيران والتي تعتبر ثالث اللاحقين الضامنين لأستانا، تواجه الآن حالة من الاستياء والخوف فالمعادلة قلبت عليها، وربما في المستقبل تكسر طاولة الضامنين التركي والروسي فوق رأسها، ويصبح أستانا مباحثات روسية تركية دون إيران، وهذا محتمل فمهمة الاتفاق ربما شارفت على الانتهاء والتنفيذ، ليكون المزاج الدولي ضدها محققاً حتى ممن ظنت فيهم الأمل.
رئيس وفد النظام بشار الجعفري خرج مرتاحاً هذه المرة، وربما يكون ذلك من حقه فمناطق تخفيف التصعيد سلمت له بفضل مراكز المصالحة الروسية، والتي ارتكبت جريمة حرب بالتهجير القسري والضغوط على المناطق المتفق عليها بكل وسيلة متاحة من قبل النظام، تصعيد وقصف بالكيماوي ومجازر مروعة، حتى سلمت المناطق للنظام وهذا بدت نتيجته ملموسة خلال سنة منذ أن تم الإعلان عن هذا الاتفاق، فلماذا لا يعبر عن ارتياحه!
بينما وفد المعارضة الذي ترأسه أحمد طعمة على مدى الجولات الأخيرة، فلا مشكلة عنده في أن يفاوض ثم يفاوض ثم يفاوض، يقف عند أبواب أستانا أو ينام في مطار سوتشي لا فرق، المهم ألا يترك باباً إلا ويطرقه، ربما له رؤيته في ذلك لكن السوريون أجمعوا على عدم رضاهم بكثير من الاتفاقات التي لا يدفع ثمنها إلا هم.
مصير إدلب هو المقدمة وهو النتيجة فانتشار نقاط المراقبة التركية ساهم فعلاً في تخفيف التصعيد على المدينة رغم خروقات النظام والجانب الروسي تكراراً ومراراً حيث يقسم اتفاق “تخفيف التوتر” في إدلب، المحافظة إلى ثلاث رقع جغرافية، تدير إحداها روسيا، بينما تسيطر تركيا على الثانية القريبة من حدودها، وتعتبر الثالثة منزوعة السلاح.
إن الخشية من عمل عسكري متوحش بات مستبعداً بحسب الكثير من المتابعين، بعد تصريحات الرئيس رجب طيب إردوغان حينما أشار في وقت سابق أن “الهدف التالي لعفرين هي إدلب وتل وفعت ومنبج” وأن تركيا بحسب توقعات المتابعين ستتدخل لتكون المنطقة آمنة ربما على غرار مناطق درع الفرات أو ما تلاها عفرين وغيرها، وبالتالي تتولى تركيا تلك المنطقة فتتقاطع المصالح بين الجانبين ويكون الحل ملائماً للجميع.