عقب إعلان وزارة الخزانة الأمريكية عن تخفيف جزئي للعقوبات المفروضة على سوريا لمدة ستة أشهر فقط، تتصدر أسئلة عدة واجهة المشهد الاقتصادي والمعيشي، من أبرزها: ما تأثير تخفيف العقوبات الأمريكية على حياة المواطن السوري؟ وكيف سيساعد ذلك في تحسين الوضع المعيشي للسوريين؟ ومتى يمكن أن يلمس المواطنون تحسنًا واضحًا في حياتهم المعيشية؟
تأثير تخفيف العقوبات على المواطن السوري
وعلى اعتبار أن الترخيص الجديد أو قرار تخفيف العقوبات سيسمح بتحويل الأموال الشخصية إلى سوريا عبر البنك المركزي السوري، مما يسهل على المغتربين دعم أسرهم في الداخل، فإنه من المتوقع أن يساهم هذا التخفيف في تحسين الظروف المعيشية للسوريين من خلال تسهيل دخول المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية.
ومن المتوقع أيضًا أن يؤدي تخفيف العقوبات إلى تسهيل حركة التجارة والاستثمار، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد السوري المنهك، و قد يفتح هذا التخفيف الباب أمام استيراد المواد الخام وتصدير المنتجات المحلية، مما يساهم في تنشيط الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة للسوريين.
وسيسمح الترخيص الجديد كذلك بتحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، التي تعاني من نقص حاد منذ سنوات، بالإضافة إلى ذلك، سيساعد التخفيف في توفير الوقود والمواد اللازمة لتشغيل محطات الطاقة، مما ينعكس إيجابًا على حياة المواطنين اليومية.
وحول ذلك، قال الخبير والمستشار الاقتصادي، أسامة القاضي، لمنصة SY24: إن “تخفيف العقوبات سيفتح شهية الدول لتقديم إغاثات بشكل أكبر ودخول بعض الشركات لدراسة الوضع السوري، ورغم أن العقوبات لا تزال مطبقة على البنك المركزي، لكن هناك فسحة للسوريين لفتح حسابات في سوريا وتحويل الأموال بشكل شخصي، وهذا سيُدخل قطعًا أجنبيًا كبيرًا لسوريا وسيكون هناك طلب أكبر على معظم المنتجات والسلع، مما يُحسن معدلات النمو الاقتصادي ويُساعد على تحسين الوضع المعيشي للسوريين، كما ستنخفض الأسعار بشكل أكبر قريبًا مع زيادة العرض في الأسواق بسبب الإغاثات وفتح المطارات، حيث ستصل أموال السوريين العائدين سواء بشكل زيارة أو بشكل دائم”.
وأشار إلى أن “الطاقة الكهربائية ستتحسن قريبًا، خاصة مع وصول باخرتين قطريتين وتركية لتزويد سوريا بالكهرباء”.
واعتبر أن “رفع العقوبات لمدة ستة أشهر غير كافٍ، كما أن عدم رفع الحظر عن البنك المركزي ليس جيدًا، لأن هناك العديد من الشركات التي ترغب في التأكد من أن عملها في سوريا قانوني وشرعي دون التعرض لأي مشاكل، إضافة إلى ذلك، فإن وضع عوائد في البنك المركزي سيضع حاجزًا أمام الدول الداعمة”.
دور الحكومة الجديدة والمنظمات
ويمكن أن يسهم الانفتاح الاقتصادي في تعزيز الاستقرار السياسي من خلال تحسين الظروف المعيشية وتقليل التوترات الاجتماعية، كما أن تحسين الوضع الاقتصادي قد يقلل من الاعتماد على الاقتصاد غير الرسمي والتهريب مما يعزز سيادة القانون.
وقال الخبير الاقتصادي والمالي، عبد الحكيم المصري، لمنصة SY24: “من يقرأ مفردات الإعفاءات يجدها مشابهة لتلك التي صدرت عندما ضرب الزلزال سوريا في شباط العام الماضي، فهي تهدف إلى مساعدة القطاعات الأساسية مثل الكهرباء والصحة والتعليم عبر المنظمات الإنسانية إضافة إلى قطاع الوقود، لكن المميز في هذا الإعفاء هو التحويلات المالية الشخصية عبر البنك المركزي، لتجنب الاستغلال في السوق السوداء”.
وأضاف “هنا يأتي دور الحكومة الجديدة في ترميم المحطات الحرارية والبنية التحتية لأقنية الري اللازمة للزراعة، كما أن المنظمات الإغاثية جاهزة للمساعدة”.
ولفت إلى أن هذا التخفيف “يمكن أن يساعد في تحسين سعر الصرف، مما ينعكس على زيادة الرواتب بشكل غير مباشر نتيجة تحسن سعر الصرف مقابل الدولار”.
متى سيلمس المواطن التحسن الفعلي؟
وعلى الرغم من أن الترخيص الجديد ساري المفعول لمدة ستة أشهر، فإن تأثيره الفعلي على حياة المواطنين قد يستغرق بعض الوقت، ويُتوقع أن تبدأ التحسينات في الظهور تدريجيًا خلال الأشهر القليلة القادمة، خاصة في قطاعات الغذاء والدواء والخدمات الأساسية، ومع ذلك، فإن التحسن الكبير في الاقتصاد ومستوى المعيشة قد يتطلب وقتًا أطول، خاصة إذا ما تم تعزيز هذه الخطوة بإجراءات إضافية لرفع العقوبات بشكل كامل.
وحول ذلك، قال إبراهيم قيسون، أحد سكان ريف حمص الشمالي، لمنصة SY24: إن “تأثيرات تخفيف العقوبات ستكون جيدة في المرحلة الحالية، كونها استثنت بعض القطاعات، خاصة القطاع المصرفي للحوالات الشخصية، وهذا سيؤدي إلى سهولة إرسال الأموال مباشرة إلى سوريا، دون الحاجة إلى طرف ثالث أو السوق السوداء، كما أن الإعفاء شمل قطاع الطاقة والاتصالات، مما قد يخلق فرص عمل جديدة للسوريين”.
وأضاف أنه “سيكون هناك تحسن في الأداء الحكومي، لأن بناء المؤسسات هو الأمر الأساسي في هذه المرحلة، وبالتالي، سيكون هناك أريحية للدول الداعمة لدعم القطاع الحكومي، مما يساعد على زيادة فرص العمل”.
ولفت إلى أن “الأمر يحتاج إلى بعض الوقت حتى يلمس السوريون التحسن، وهذا مرتبط بنجاح العملية السياسية في سوريا. يمكن أن يلمس المواطن تغييرًا جذريًا في الخدمات الأساسية بعد عام تقريبًا”.
أما محمود سليمان، المقيم في مدينة حمص، فقال لمنصة SY24: إن “تخفيف العقوبات سيؤثر بشكل إيجابي على الشعب السوري، خاصة بعد ارتفاع الأسعار ونقص السلع في الأسواق، وبالتالي، فإن الصدى سيكون إيجابيًا، وسيُحسن الوضع المعيشي، و يمكن أن نلمس هذا التحسن في الأيام المقبلة، بالتزامن مع مراقبة سعر صرف العملة السورية مقابل الدولار، مما سيؤدي إلى انخفاض أسعار السلع بشكل عام”.
وسط كل ذلك، يمثل تخفيف العقوبات الأمريكية على سوريا خطوة مهمة نحو تحسين الوضع المعيشي للسوريين، لكنها ليست الحل النهائي. إذ يحتاج الشعب السوري إلى مزيد من الإجراءات الدولية لدعم التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار.