تجارة المقاعد الجامعية.. احتيال لخداع الطلاب الأجانب في تركيا

Facebook
WhatsApp
Telegram
تجارة المقاعد الجامعية.. احتيال لخداع الطلاب الأجانب في تركيا

خاص - SY24

في السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة بيع المقاعد الجامعية كأحد أشكال الاحتيال التي تستهدف الطلاب الأجانب الراغبين في الدراسة في تركيا. يعد هذا النشاط غير القانوني عقبة كبيرة أمام الطلاب المتفوقين، حيث يستغل المحتالون طموحاتهم الأكاديمية عبر تقديم وعود زائفة بالحصول على قبول جامعي مقابل مبالغ مالية ضخمة. هذا الأمر لا يقتصر فقط على التلاعب بالنظام التعليمي، بل يؤدي أيضًا إلى حرمان طلاب مستحقين من فرصتهم في التعليم.

أساليب الاحتيال في بيع المقاعد الجامعية

يتبع المحتالون طرقًا متنوعة للاحتيال على الطلاب، من أبرزها تزوير البيانات في أنظمة الجامعات. كما يدّعي بعضهم امتلاك “مقاعد جامعية مضمونة ومباشرة” للبيع بمبالغ تصل إلى مئات أو آلاف الدولارات. وذلك من أجل استغلال الطلاب سواءً بوعودهم بتحقيق أحلامهم الدراسية أو إيهامهم بالمساعدة في تأمين الفيزا إلى تركيا. بالإضافة إلى ذلك، يعمد السماسرة إلى إغراء الطلاب بوعود توفير شهادات اجتياز اللغة – الذي يعتبر أساسياً من أجل تأمين المقعد الجامعي – مثل اختبار اللغة التركية المعروف باسم “تومر”، وهو من الناحية التقنية غير ممكن، حيث يحتاج الطالب إلى حضور كورسات اللغة واجتياز الاختبارات من أجل توثيق شهادته بمستوى C1 في نظام الجامعة ليتمكن من تنزيل المواد الدراسية وبدء رحلة التعليم.

بعد التدقيق ومتابعة عدة مكاتب مرخصة في تركيا، توصل التحقيق الجاري إلى رصد عدة صور نشرها مكتب “F.G” الذي ينشط في مدينة غازي عنتاب بشكل أساسي وفي عموم الأراضي التركية، والذي يعد متابعيه أو – الطلاب منهم – على منصات التواصل الاجتماعي بتأمين شهادات تثبت اجتياز اللغة التركية – وهو الشرط الأساسي للدخول إلى الجامعة – وهذا الإغراء يدفع العديد من الطلاب لدفع مبالغ طائلة، وهي عملية تشبه البيع، دون حتى حضور الطلاب كما رصد هذا التقرير. يُضاف إلى ذلك الوعود الوهمية بتقديم قبولات جامعية مباشرة في الجامعات الحكومية مقابل مبالغ تتراوح ما بين 400 دولار أمريكي وقد تصل إلى 2000 دولار وفق متابعات أجراها هذا التحقيق.

لماذا الجامعات الحكومية؟

تُقدم المكاتب سواءً المرخصة أو غير المرخصة والمتعاقدة مع بعض الجامعات إغراءات بالتسجيل مجاناً في الجامعات الخاصة. وبعد الرصد والمتابعة تبين أن هذا الأمر يعتبر شرعياً بالكامل، حيث تحصل المكاتب المرخصة على نسبة مئوية لكن ليس من الطلاب المتقدمين للبرامج الدراسية، إنما من الجامعات الخاصة. في حين تعمد المكاتب غير المرخصة أو المستغلة لحاجة الطلاب إلى تحصيل ما يُعرف بـ “الرشوة أو الكمسيون” في سبيل تحصيل مقعدٍ جامعي في إحدى الجامعات الحكومية. يؤكد الطالب أحمد.ع، أن بعض الطلاب يرغبون بالتقدم إلى الجامعات الحكومية ويضطرون لدفع هذه المبالغ بسبب الأقساط المعقولة قياساً بالجامعات الخاصة التي تتطلب أرقاماً قد لا يقوى بعض الطلاب على دفعها، ومن هنا تظهر حالة استغلال كبيرة لرغبة الطلاب في التقدم للجامعات الحكومية.

من بين أبرز الحالات التي تسلط الضوء على هذا النوع من الاحتيال، قصة الطالب ي.س. الذي وقع ضحية مكتب يدعى F.G ويديره شخص يُدعى “ع. غ”. قام المكتب بوعد الطالب الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه بتأمين مقعد جامعي مقابل مبلغ مالي وصل إلى 1150$، لكن بعد استلام المال، لم يتم تنفيذ الوعد، مما أدى إلى خسارة الطالب لأمواله وأمله في متابعة دراسته.

يقول ي.س في حديث لـ SY24: “تلقيت وعداً بالحصول على مقعدٍ جامعي في جامعة “غوموش هانة” الحكومية التركية، والقريبة من مدينة طرابزون شمال شرق تركيا. قال غ إن العملية تستغرق من 3 أيام وحتى 7 أيام من أجل متابعة عملية التثبيت النهائي، لكن تفاجأت بأن الموضوع استغرق أكثر من شهر وأسبوع دون أي نتيجة عملية”.

وأضاف في حديثه أنه “قام المدعو غ بالتذرع بأنه وجد صعوبة في تثبيت القيد بعد حصوله على القبول الأولي، بحجة أنني تخرجت من جامعة تركية، وأتقدم الآن إلى أحد برامج الماجستير – التي لا ترغب الجامعات من طلابها الأجانب بالقدم إلى هذه البرامج على حد قوله”. واعتبر “ي.س أن هذا الأمر لا يبدو منطقياً على الإطلاق، متسائلاً: لماذا لا ترغب الجامعات التركية بتقديم برامج دراسية للطلاب الأجانب؟. واستطاع فريق التحرير التحقق من هذه المعلومة عبر تسجيل صوتي من “غ” الذي ادعى ذلك”. (التسجيلات محفوظة لأسباب قانونية).

وأكد “ي.س أن السبب الآخر وفقاً لـ “غ”، هو التخرج من جامعة تركية في أحد برامج البكالوريوس مسبقاً، مؤكداً شرطية الحصول على شهادة التومر بمستوى C1 على الأقل، لكن في حالتي لا يوجد هذه الشهادة علماً أن برنامج الدراسة السابق كان باللغة الإنكليزية بشكل كامل، حيث كانت الجامعات لا تشترط حصول الطالب على شهادة اللغة التركية، وكانت تكتفي بشهادة B2 في اللغة التركية والتي لم تعد مقبولة أو كافية من أجل دراسة الماجستير”.

وأوضح ي.س قائلاً: “على الرغم من أنني دفعت إليه رسوماً إضافية من أجل التسجيل في دروس اللغة التركية لتحصيل شهادة التومر، إلا أنه عجز عن تثبيت القيد”.

اختتم ي.س قائلاً: “أخبرت غ أنني أريد التقدم إلى إحدى الجامعات التركية الخاصة، وفي ذلك الوقت طلبت منه أن يتقدم بمفاضلة على الجامعات التي يعرفها، لكن بعد حصولي على قبول جامعي عن طريق مكتب آخر، قمت بالتثبيت به على الفور حتى لا أفقد فرصة الدراسة للبرنامج الذي أطمح، وعندما طلبت منه إعادة الأموال التي دفعتها والتي تُقدر بـ 1150$، رفض إعادتها، إنما أعاد قسم منها، وقام باقتطاع أتعابه مقابل خدمات لم يقم بها”.

تواصل فريق التحرير مع السيد “ع.غ” (وهو الاسم الأول والأخير بالكامل وتم اختصار الأحرف الأولى منه لأسباب قانونية) من أجل الإجابة على بعض الأسئلة، لكنه رفض تقديم أي إجابات حتى الآن.

قبولات مضمونة؟

يقول أحمد وهو طالب جامعي يدرس في برنامج ماجستير بالعلاقات الدولية في إحدى الجامعات التركية: “يتم الترويج أحيانًا لفكرة قبولات مضمونة في الجامعات التركية الحكومية بشكل مباشر”، لكن في الواقع، لا يوجد شيء يسمى “قبول مضمون” في هذه الجامعات، خاصة بسبب المنافسة الشديدة بين الطلاب المحليين والدوليين”.

وأضاف أحمد: “تعتمد الجامعات الحكومية في تركيا على معايير دقيقة وشروط محددة عند تقييم طلبات القبول، مثل الأداء الأكاديمي، نتائج الامتحانات، ومطابقة المؤهلات مع متطلبات التخصص. لذلك، يجب الحذر من أي وعود غير واقعية، والتركيز بدلاً من ذلك على تقديم طلبات مدروسة تستوفي الشروط الرسمية لكل جامعة”.

يرصد التقرير بعض الإعلانات الترويجية على تطبيق إنستغرام، حيث يقوم مكتب F.G بالترويج على أنه يقدم خدمات قبول مضمونة في جامعتي “بولو وكارابوك” الحكومتين في أقصى الشمال التركي. وبعد التواصل مع إدارة شؤون الطلاب الأجانب في جامعة كارابوك للتعليق على الأمر، أكد أحد المطلعين على عمليات القبول الجامعي والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه في حديث لـ SY24: “لا يوجد أي نوع من القبولات المضمونة للطلاب، ويوجد الكثير من هذه الادعاءات التي تتنافى مع النظام الأكاديمي المتبع”.

وأوضح أن التقديم للجامعات يعتمد على معايير واضحة تشمل تقييم الشهادات الأكاديمية ونتائج الامتحانات والمفاضلة بين الطلاب نظرًا للأعداد الكبيرة من المتقدمين. وأكد أن الادعاء بوجود “قبول مضمون” يهدف إلى تضليل الطلاب، داعيًا إياهم للالتزام بالإجراءات الرسمية والابتعاد عن الوسطاء غير الموثوقين.

لا وجود لرخصة قانونية

حاول فريق التحرير التحقق من رقم الرخصة التجارية لمكتب F.G الذي يدّعي تقديم خدمات تسهيل إجراءات التقديم للطلاب الأجانب. وبعد مراجعة المصادر المعنية والمصادر المفتوحة، لم يتبين وجود أي رخصة قانونية تخول المكتب بمزاولة هذا النوع من الأعمال. يعزز هذا الشكوك حول قانونية الأنشطة التي يقوم بها المكتب ويدعو آخرون إلى الحذر عند التعامل مع مثل هذه المكتب غير الشرعية.

الفيزا إلى تركيا هو قرار سيادي

من بين الخدمات التي يروج لها مكتب F.G هو ادعاؤه بتحصيل تأشيرة الدخول (الفيزا) التركية للطلاب الأجانب، وهو أمر لا يمكن ضمانه على الإطلاق بحسب مستشاري الهجرة وفقاً لمتابعتنا لبعض المكاتب السياحية. الفيزا تُعتبر قرارًا سياديًا يخضع لتقدير السفارات والقنصليات التركية بناءً على معايير وشروط واضحة، ولا يمكن لأي مكتب أو جهة خارجية ضمان الحصول عليها. ومع ذلك، يلجأ بعض المكاتب إلى تضليل الطلاب من خلال وعود زائفة، بهدف الحصول على مبالغ مالية دون تقديم أي ضمان حقيقي. وكثير من المحامين يحذرون الطلاب من هذه الادعاءات الزائفة والاعتماد على الطرق الرسمية لتقديم طلبات الفيزا.

أسباب انتشار ظاهرة الاحتيال

تنتشر تجارة المقاعد الجامعية نتيجة لعدة عوامل، منها جهل الطلاب الأجانب بالقوانين التركية، حيث يصعب عليهم فهم متطلبات القبول بسبب حاجز اللغة ونقص المعرفة. كما يسهم غياب الرقابة على مكاتب الخدمات الطلابية في تمكين المحتالين من استغلال الطلاب بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي ارتفاع الطلب على التعليم في تركيا من قبل الطلاب الأجانب إلى زيادة فرص وقوعهم في شراك الاحتيال.

تأثير الاحتيال على الطلاب المتفوقين

تؤدي هذه الظاهرة إلى حرمان الطلاب المتفوقين من فرصهم المستحقة في التعليم، حيث يتم بيع المقاعد بطريقة غير قانونية لطلاب قد لا يمتلكون الكفاءة اللازمة. يقول محمد حمدو، طالب سوري مقيم في تركيا: “حصلت على درجات عالية في امتحان اليوز، ولكنني لم أتمكن من الحصول على القبول بسبب انتشار هذه الظاهرة، وأصبح من الصعب جداً تأمين مقعد جامعي إذا لم يكن لدي الموارد المالية الكافية لذلك”.

جهود التصدي للظاهرة

تسعى الجامعات التركية ومجلس التعليم العالي إلى محاربة هذه الظاهرة من خلال إصدار تحذيرات للطلاب بعدم التعامل مع مكاتب تدعي توفير القبول الجامعي. كما يتم تعزيز التدقيق على بيانات الطلاب وشهاداتهم، بالإضافة إلى إلغاء قيد الطلاب الذين يثبت حصولهم على مقاعد بطرق غير قانونية. تشمل الجهود أيضًا فرض عقوبات صارمة على المكاتب التي تمارس هذه الأنشطة.

كيف يمكن للطلاب حماية أنفسهم؟

المحامي محمد.س الذي يقيم في مدينة غازي عنتاب التركية قال في حديث لنا إنه من أجل حماية الطلاب لأنفسهم من الوقوع ضحية لهذه الممارسات، يُنصح بالتحقق من مصداقية المكاتب عبر البحث عن تقييمات وتجارب طلاب سابقين. كما يجب عليهم التعامل مباشرة مع الجامعات أو استخدام القنوات الرسمية المعتمدة. علاوة على ذلك، ينبغي عليهم رفض أي عروض تبدو غير منطقية أو تتضمن رسومًا مبالغًا فيها.

قم بالتقديم للجامعات بنفسك

بالعودة إلى ي.س الذي وقع ضحية احتيال مكتب F.G، أكد أن عملية التقديم إلى الجامعات التركية ليست معقدة على الإطلاق، ويمكن للطلاب المفاضلة عليها بأنفسهم دون الوقوع كـ ضحايا لهذه التجارة الشائعة في تركيا.

وأشار ي.س إلى أنه تعلّم من تجربته الشخصية وحصل على استشارة مجانية فقط من أحد المكاتب المُرخصة المتعاقدة مع الجامعات الخاصة. وقام بتسديد أقساط الجامعة من حسابه البنكي الخاص وحصل على إشعار دفع كامل الأقساط بنجاح دون تحمل أي أعباء مادية أو مخاطر محتملة.

تمثل تجارة المقاعد الجامعية تحديًا خطيرًا للنظام التعليمي ولحقوق الطلاب المتفوقين. ومع ذلك، فإن تعزيز الرقابة وتوعية الطلاب يمكن أن يحد من انتشار هذه الظاهرة، مما يضمن تكافؤ الفرص ويعيد الثقة إلى النظام التعليمي. من خلال جهود مشتركة بين الجهات الرسمية والطلاب، يمكن بناء بيئة تعليمية أكثر نزاهة وعدالة.
جميع المعلومات الواردة في هذا التقرير مستخلصة من حديث السيد ع.غ، الموثقة عبر مقاطع صوتية محفوظة قانونيًا في أرشيف التحقيق، ويمكن العودة إليها عند الحاجة للتحقق. كما أن التقرير خضع للتدقيق القانوني لضمان التزامه باللوائح الإعلامية والقانونية التركية، وتجنب أي تصنيف قد يُعتبر تشهيرًا. تجدر الإشارة إلى أن منصة SY24 تنأى بنفسها عن أي مسؤولية قانونية تنشأ عن تفسير محتوى التقرير أو استخدامه بطرق غير مسؤولة.

مقالات ذات صلة