أثارت حملة طلاء جدران الزنازين في أحد سجون ومعتقلات نظام الأسد السابق، والتي نفذها فريق يُدعى “سواعد الخير”، غضباً شعبياً واسعاً داخل سوريا وخارجها.
واعتبر النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان أن هذه الخطوة تمثل محاولة لطمس معالم الجرائم التي ارتكبها النظام السابق بحق آلاف المعتقلين الذين لقوا حتفهم تحت التعذيب في تلك السجون، مطالبين بمحاسبة ومعاقبة المسؤولين عن تنفيذ هذه الحملة أو إصدار الإذن لها.
ردود الفعل الغاضبة
وتصدرت الحملة نقاشات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر العديد من النشطاء والصحفيين عن استيائهم من هذه الخطوة.
كتب خالد حسينو، أحد النشطاء السوريين، على فيسبوك: “نحن السوريون الأحرار نتقدم بشكوى رسمية ضد فريق (سواعد الخير) الذي ظهر في الفيديو المتداول، ونرفض بشدة الأسلوب الذي تم اتباعه في التعامل مع الأدلة والمعالم المرتبطة بمواقع الاعتقال”.
وأضاف حسينو أن هذه الخطوة تشكل “طمساً لمعالم الجريمة وإخفاءً للأدلة”، مشيراً إلى أن العبث بمواقع الاعتقال يمثل جريمة مزدوجة بحق الضحايا والعدالة.
من جهته، تساءل الصحفي يمان دابقي عن الجهات التي سمحت لهذا الفريق بالدخول إلى السجون والعبث بمعالمها، وقال: “حكومة دمشق معنية بالتوضيح والإجابة على التالي: من هؤلاء؟ من يقف خلفهم؟ من سمح لهم بدخول الزنازين والعبث وطمس معالم جريمة الأسد ومحو الأدلة؟”
وأكد دابقي على ضرورة المحاسبة وتحقيق العدالة الانتقالية، محذراً من أن غيابها يعني فشل جميع الجهود لنقل سوريا إلى بر الأمان.
أصوات الضحايا وأهاليهم
عبّرت الناشطة الحقوقية ياسمين بنشي عن غضبها الشديد من هذه الخطوة، قائلة: “من سمح لكم بطمس الدلائل؟ من سمح لكم بإخفاء الحقيقة؟”
وأضافت بنشي أن أسماء المعتقلين محفورة على جدران الزنازين بأظافرهم أو أسنانهم التي سقطت من الجوع والمرض، مؤكدة أن هذه الخطوة تمثل “قتلاً للمعتقلين ألف مرة”. ودعت إلى دعم الناجين وأهالي المعتقلين بدلاً من طمس الأدلة.
وأشار عمر المقداد إلى أن هذه السجون والمعتقلات تحمل ذاكرة جمعية لا يجب العبث بها، قائلاً: “هذه المعتقلات يجب أن تبقى كما هي حتى تتم معاينة كل حرف مكتوب على جدرانها”. ووصف ما حدث بأنه “جريمة أخرى بحق الذاكرة”.
تحذيرات من طمس الأدلة
وفي سياق متصل، وصف الحقوقي ميشال شماس ما يجري بأنه “جريمة لا تغتفر لطمس الأدلة”.
وأضاف شماس في مقطع نشره على قناته في يوتيوب: “إنها جريمة خطيرة بحق من ضحوا بأرواحهم من أجل الحرية، وجريمة بحق الإنسانية والعدل”.
وتساءل عن الجهات التي سمحت لهذا الفريق بالدخول إلى مسرح الجريمة، مطالباً بتوقيفهم وإحالتهم إلى القضاء.
جهود قانونية لحفظ الأدلة
من جهته، أعلن أنور البني، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، عن اجتماع مع وزير العدل في الحكومة المؤقتة، حيث تم الاتفاق على التعاون لحفظ الوثائق والأدلة وأرشفتها بطريقة محترفة تمهيداً لمحاسبة المجرمين.
وأكد البني أن الاجتماع كان إيجابياً، وتمت مناقشة خطة العدالة الانتقالية ودور المجتمع المدني في بناء الدولة.
انتقادات للعبث بمسارح الجرائم
أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بياناً حذرت فيه من العبث بمسارح الجرائم، مشيرة إلى أن الدخول إلى هذه المواقع يخضع لبروتوكولات دولية تهدف إلى حماية الأدلة.
وأشار البيان إلى أن انتشار الفيديوهات التي تظهر نشطاء وإعلاميين يتجولون بحرية داخل السجون والأفرع الأمنية يمثل انتهاكاً لهذه البروتوكولات.
أدلة تساعد في كشف المصير والمحاسبة
قال الحقوقي ياسر الفرحان، المدير التنفيذي لمنظمة ميزان للدراسات القانونية وحقوق الإنسان، لمنصة (SY24): “طمس معالم الأدلة أمر خطير جداً. عند زيارتي لدمشق، حرصت على تصوير جدران الزنازين والذكريات التي كتبها المعتقلون على الجدران، والتي تحمل تفاصيل تساعد في كشف المصير وتحقيق العدالة”.
وأضاف: “يجب تحرك جماعي مشترك لوقف هذا الانتهاك، بحيث يكون هناك ضغط لإيقاف مثل هذه الأنشطة وكشف الجهات التي تقف خلفها”.
وتبقى قضية طلاء جدران السجون والمعتقلات في سوريا مثيرة للجدل، حيث يعتبرها الكثيرون محاولة لطمس معالم الجرائم التي ارتكبها النظام السابق.
وفي ظل المطالبات المتزايدة بالمحاسبة والعدالة الانتقالية، تبرز الحاجة إلى حماية الأدلة وضمان عدم العبث بمسارح الجرائم، بما يضمن تحقيق العدالة للضحايا وأهاليهم.