المحكمة الجنائية الدولية في دمشق: خطوة لتحقيق العدالة أم زيارة استكشافية؟

Facebook
WhatsApp
Telegram
المحكمة الجنائية الدولية في دمشق: خطوة لتحقيق العدالة أم زيارة استكشافية؟

خاص - SY24

في تطور يُعتبر خطوة جديدة على طريق تحقيق العدالة للضحايا السوريين، التقى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، كريم أحمد خان، اليوم الجمعة، قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، ووزير خارجيته أسعد الشيباني، في العاصمة السورية دمشق.
وتأتي هذه الزيارة في إطار جهود دولية لمحاسبة النظام السابق على جرائمه، في حين تثير تساؤلات في الوقت ذاته حول مدى جدية هذه الخطوة وإمكانية تحقيق العدالة المنشودة.

الزيارة: محطة أولية أم خطوة جادة؟

تُعتبر زيارة وفد المحكمة الجنائية الدولية إلى سوريا محطة أولية في مسار طويل ومعقد، فعادة ما تكون مثل هذه الزيارات بمثابة طلب للتعاون من السلطات القائمة للتحقيق في الجرائم الجسيمة التي ارتكبت ضد المدنيين، ولا يخفى على أحد أن نظام الأسد السابق ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وبعد الإطاحة بالنظام السابق، تم اكتشاف العديد من المقابر الجماعية التي تحوي رفات آلاف الضحايا، فضلًا عن جرائم أخرى مثل التعذيب والاحتجاز التعسفي والعنف الجنسي، حيث إن هذه الجرائم التي كانت تُخفى عن الأنظار خوفًا من انتقام النظام، بدأت تظهر إلى العلن بعد سقوط نظام الأسد السابق، مما يضع ضغوطًا دولية كبيرة لمحاسبة المسؤولين.
دور المحكمة في محاسبة النظام السابق


وفي نهاية عام 2024، أكدت أليس جيل إدوارد، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة، أن المحكمة الجنائية الدولية هي الأنسب لمحاكمة بشار الأسد وأعوانه، مشيرة إلى الأدلة الكثيرة التي ظهرت بعد الإطاحة بالنظام السابق، والتي تُثبت ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ودعت إدوارد الإدارة السورية الجديدة إلى قبول النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مما يسمح بمحاكمة الأسد وأعوانه، كما طالبت الدول الأخرى بتقديم طلبات إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم التعذيب التي ارتكبت في سوريا.
نظام روما الأساسي وإمكانية التحقيق
اعتُمد نظام روما الأساسي عام 1998، ودخل حيز التنفيذ عام 2002، ليؤسس أول محكمة جنائية دولية دائمة، حيث يهدف النظام إلى محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية، ومع ذلك تواجه المحكمة الجنائية الدولية تحديات كبيرة في التحقيق في الجرائم المرتكبة في سوريا، حيث إن سوريا ليست طرفًا في النظام الأساسي للمحكمة.
وبحسب المعلومات المتاحة، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تبدأ التحقيق في ثلاث حالات: أولًا، إذا ارتكبت الجرائم داخل أراضي الدول الأعضاء أو من قبل مواطنيها؛ ثانيًا، إذا أحال مجلس الأمن الدولي القضية إلى المحكمة؛ وثالثًا، إذا اعترفت دولة غير عضو باختصاص المحكمة بشكل استثنائي.
وفي حالة سوريا، لا يمكن تطبيق الخيار الأول لأنها ليست عضوًا في المحكمة، أما الخيار الثاني، فيتطلب موافقة مجلس الأمن الدولي، وهو ما يواجه عقبة كبيرة بسبب الفيتو الروسي، الذي استُخدم سابقًا لإفشال مشروع قرار فرنسي للتحقيق في جرائم سوريا، وبالتالي، يبقى الخيار الثالث، وهو أن تمنح الإدارة السورية الجديدة صلاحية مؤقتة للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم المرتكبة على أراضيها.
جزء من جهود محاسبة كبيرة تحتاجها سوريا
وحول ذلك، قال المحامي علي رشيد الحسن لمنصة SY24: تُعتبر أهمية زيارة وفد من محكمة الجنايات الدولية إلى سوريا في الوقت الحالي أنها تأكيد على أنه لن يفلت أحد من العقاب، ولكن لا يمكن لمحكمة الجنايات الدولية النظر في الجرائم المرتكبة في سوريا كون سوريا ليست طرفًا في نظام روما الأساسي”.
وأضاف: “ورغم أن تعزيز العدالة الدولية ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب ضروري، إلا أن هذا العمل الذي تقوم به المحكمة الجنائية الدولية ليس إلا جزءًا من جهود المحاسبة الكبيرة التي تحتاجها سوريا. لكن ذلك يبقى خطوة أولى أساسية، علاوة على أنه يُعتبر نقطة مرجعية هامة بالنسبة إلى المبادرات الأخرى، بما في ذلك المحاكمات الوطنية، كما توجد حاجة إلى آليات غير قضائية أخرى، بما في ذلك لجان تقصي الحقائق، والتحقيقات، وإصلاح المؤسسات”.
وأعرب عن أمله في أن لا توافق الإدارة الجديدة على معاهدة روما، من أجل أن تحاكم “النظام البائد” وعناصره الذين ارتكبوا جرائم حرب في سوريا، أي محاكمته في محاكم وطنية داخل سوريا، وفق تعبيره.
توثيق الجرائم والجهود المحلية والدولية
ومنذ بداية الثورة السورية في عام 2011، بدأت الجهات السورية الفاعلة في توثيق الجرائم التي ارتكبها النظام ضد المدنيين، وشمل التوثيق جرائم مثل العنف التعسفي وإطلاق النار على المتظاهرين والاحتجاز التعسفي والعنف الجنسي في مراكز الاحتجاز، فضلًا عن استخدام الأسلحة الكيميائية بشكل متكرر.

وبعد الإطاحة بالنظام، أثيرت نقاشات حول سبل محاكمة نظام الأسد السابق وأعوانه في المحاكم المحلية والدولية، ومع ذلك، تبقى العقبات القانونية والسياسية كبيرة، خاصة في ظل عدم اعتراف سوريا باختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
السيناريوهات المستقبلية
في ظل هذه التحديات، يبقى السيناريو الأكثر واقعية هو أن تمنح الإدارة السورية الجديدة صلاحية مؤقتة للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم المرتكبة في سوريا.
وقد سبق للمحكمة أن تحركت في حالات مشابهة، كما حدث في السودان وليبيا، حيث تم التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية رغم عدم انضمام البلدين إلى نظام روما الأساسي.
العدالة الانتقالية ليست رفاهية في سوريا
وقال الدكتور طلال المصطفى، باحث في مركز حرمون للدراسات، لمنصة SY24: “إن العدالة الانتقالية في سوريا ليست رفاهية، بل ضرورة لتضميد جراح الماضي وإرساء أسس المصالحة السورية الحقيقية. وقبل الحديث والدعوة للتسامح، يجب أن تُحاسب القتلة والمجرمون لضمان تحقيق العدالة للضحايا وأسرهم”.
وأضاف: “العدالة الانتقالية تشمل المحاسبة وكشف الحقيقة وإصلاح المؤسسات لتفادي تكرار الانتهاكات وبناء دولة تحترم حقوق الإنسان. والتسامح الحقيقي لا ينبع من نسيان الظلم، بل من الاعتراف به ومواجهته بشجاعة. وبدون عدالة، يصبح التسامح شعارًا فارغًا لا يُنصف الضحايا ولا يُعزز الاستقرار”.

خطوة مستقبلية هامة

ورأى مصطفى أن: “هذه الزيارة تحمل أهمية بالغة في مسار تحقيق العدالة والمساءلة، وتُظهر التزام إدارة الحكم الجديد بتحقيق العدالة للضحايا وإعادة بناء الثقة في النظام القضائي، مما يُسهم في تعزيز الاستقرار والمصالحة الوطنية، كما أنها تُرسل رسالة قوية للمجتمع الدولي حول جدية السلطات السورية في التعامل مع ملف حقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات”.
واعتبر أن: “هذه الزيارة تُعد الأولى من نوعها وبالتالي هي خطوة هامة جدًا في مسار تحقيق العدالة والمساءلة في سورية، وتُعزز من فرص بناء مستقبل أكثر احترامًا لحقوق الإنسان في سورية المستقبلية”.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن المحكمة الجنائية الدولية من تحقيق العدالة للضحايا السوريين، أم أن هذه الزيارة ستكون مجرد خطوة استكشافية دون نتائج ملموسة؟ الإجابة على هذا السؤال ستتحدد في الأشهر والسنوات القادمة، بناءً على مدى تعاون الإدارة السورية الجديدة والمجتمع الدولي في دعم جهود المحكمة.

مقالات ذات صلة