أصبح البحث عن منزل في العاصمة السورية دمشق وريفها مهمة شاقة تتطلب الكثير من الجهد والصبر، خاصةً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد. فالارتفاع الملحوظ في الإيجارات العقارية، بالإضافة إلى التكاليف الإضافية المرتبطة بعمليات الإيجار، يجعل ذلك تحديًا حقيقيًا للعائلات، خصوصًا العائدين إلى مناطقهم بعد سنوات من النزوح.
يروي الشاب الثلاثيني عدنان البني تجربته المريرة في البحث عن منزل لأسرته، التي انتقلت من إدلب إلى مدينة التل بريف دمشق. وبعد عشرة أيام من البحث، وجد نفسه مضطرًا للإقامة مع أهله في منزل العائلة، حيث أدرك حاجته الماسة لمنزل خاص به. ومع تزايد الطلب على منازل الإيجار، ارتفعت الأسعار بشكل كبير. وبعد عناء طويل، تمكن عدنان من استئجار قبو لا تصل إليه أشعة الشمس بمبلغ 700 ألف ليرة سورية شهريًا، وهو مبلغ يعكس التحديات الاقتصادية التي تواجه الأسر السورية.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ دفع عدنان مبلغًا مماثلًا للمكتب العقاري الذي ساعده في إيجاد المنزل، بالإضافة إلى دفع نفس المبلغ كتأمين للمنزل، و250 ألف ليرة سورية أخرى لتسجيل العقد في المحكمة. كل هذه التكاليف تأتي مقابل عقد إيجار مدته ستة أشهر فقط، مما يجعله في دائرة القلق المستمر حول إمكانية إيجاد منزل آخر بعد انتهاء العقد.
الواقع المؤلم للمستأجرين
تسلط تجربة عدنان الضوء على واقع مرير يعيشه العديد من الأهالي، سواء العائدون أو الباحثون عن منازل للإيجار في دمشق وريفها. فقد ارتفعت الإيجارات بنسبة تتراوح بين 20% و25% مؤخرًا، وفقًا لأبو سمير المعرباني، صاحب مكتب عقاري في معربة، الذي أشار إلى أن هذا الارتفاع يعود إلى زيادة الطلب على المنازل نتيجة عودة المغتربين والمهجرين إلى مناطقهم، بالإضافة إلى تدمير أحياء سكنية كاملة مثل القابون، جوبر، وحي تشرين، مما أدى إلى نقص حاد في المعروض من المساكن.
تتراوح أسعار الإيجارات في دمشق بين 150 و500 دولار شهريًا، وفي بعض المناطق الأكثر طلبًا قد تصل الإيجارات إلى ضعف هذا المبلغ.
التحديات الاقتصادية وتأثيرها على أزمة السكن
يؤثر الوضع الاقتصادي في سوريا بشكل كبير على قدرة العائلات على استئجار المنازل، حيث أدى ارتفاع أسعار الإيجارات إلى تفاقم الأزمة، في حين انخفضت الأجور الحقيقية بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، تفرض تكاليف إضافية مثل التأمين، ورسوم التسجيل، وعمولات المكاتب العقارية عبئًا ماليًا إضافيًا.
وفي حديث سابق مع الباحث الاقتصادي محمد غزال، قال إن “عودة المهجرين والمغتربين لعبت دورًا رئيسيًا في زيادة الطلب على العقارات، مما ساهم في الارتفاع الحالي بالأسعار”. وتوقع أن تنتهي هذه الحالة المؤقتة مع انطلاق مشاريع إعادة الإعمار، التي ستزيد العرض وتخلق منافسة بين المستثمرين، مما يؤدي إلى انخفاض أسعار العقارات تدريجيًا.
الحلول الممكنة
تعكس التحديات التي تواجه الباحثين عن منازل في دمشق وريفها صورة قاتمة عن واقع الحياة في سوريا اليوم. ويتطلب الأمر تدخلًا عاجلًا من الجهات المعنية، سواء من خلال تنظيم السوق العقارية، أو توفير خيارات سكنية ملائمة بأسعار معقولة، أو فرض قوانين تحمي المستأجرين من استغلال المالكين.
في ظل هذه الظروف، يتطلع المواطنون إلى تحرك سريع يخفف من معاناتهم، ويعيد لهم الأمل في حياة أكثر استقرارًا وكرامة.