تجارة المواد الممنوعة.. من يديرها بعد سقوط النظام السابق؟

Facebook
WhatsApp
Telegram
تجارة المواد المخدرة والكبتاغون.. من يديرها بعد سقوط النظام السابق؟

خاص - SY24

في ظل التطورات السورية المتسارعة سياسيا وميدانياً، برزت تجارة المخدرات كواحدة من أخطر الظواهر التي تُهدد الأمن الاجتماعي والصحي ليس فقط في سوريا بل في المنطقة بأكملها.

وتشير الأدلة والتحقيقات إلى أن تجارة الكبتاغون في سوريا كانت تُدار بشكل مباشر من قبل أفراد من عائلة نظام الأسد السابق، وخاصة شقيقه ماهر الأسد، الذي كان يُعتبر الرجل القوي في النظام السابق.

شبكات إجرام معقدة

ومع سقوط النظام، برزت تساؤلات حول من يتولى إدارة هذه الشبكة الإجرامية الآن؟

تشير التقارير إلى أن عصابات الحرب والفصائل المسلحة التي كانت تعمل تحت مظلة النظام السابق قد استمرت في إدارة هذه التجارة، مستفيدة من الفوضى الأمنية وغياب السلطة المركزية الفاعلة.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، كشفت وزارة الداخلية السورية عن سلسلة من العمليات الأمنية الناجحة التي أسفرت عن ضبط كميات هائلة من المخدرات خاصة حبوب الكبتاغون، والتي كانت معدة للتهريب إلى دول عربية وغربية.

وتكشف هذه العمليات النقاب عن شبكات معقدة تُدار من قبل عصابات منظمة، بعضها مرتبط بجهات نافذة داخل النظام السوري.
وبدأت هذه الجهود بإدارة الأمن العام في حلب (قسم العزيزية)، حيث تم القبض على مروجي حشيش ومخدرات في المنطقة، وذلك في إطار الحملة الأمنية الشاملة التي تقودها الوزارة لمكافحة آفة المخدرات وتعزيز الأمن والاستقرار.

وفي تطور آخر، كشف المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية عن عملية كبيرة تمت بالتنسيق مع إدارة مكافحة المخدرات، حيث تم رصد شحنات من حبوب الكبتاغون كانت مجهزة للتصدير عبر مرفأ اللاذقية إلى عدة دول عربية وغربية، وبعد تحريات مكثفة، تم تحديد مواقع تخزين هذه الشحنات في مستودعات قرب المرفأ، والتي تبين أنها تعود ملكيتها للهارب ماهر الأسد.

وأسفرت العملية عن اكتشاف كميات هائلة من حبوب الكبتاغون و”البودرة المخدرة”، والتي كانت معبأة داخل ألعاب الأطفال، مما يكشف عن أساليب التهريب الخطيرة والمتطورة التي يستخدمها تجار هذه المادة.

ووفقًا للتقديرات، بلغ عدد الحبوب المعدة للتصدير حوالي 100 مليون حبة، وهو ما كان سيسبب تهديدًا كبيرًا للصحة العامة والأمن الاجتماعي في الدول المستهدفة.

وفي سياق متصل، تمكنت إدارة مكافحة المخدرات من ضبط مستودع آخر في اللاذقية يتبع للفرقة الرابعة التابعة لنظام الأسد السابق، حيث تم العثور على حوالي 60 مليون حبة كبتاغون.

كما ضبطت إدارة الأمن العام في اللاذقية مستودعًا ضخمًا لتعليب حبوب الكبتاغون داخل ألعاب الأطفال والأثاث المنزلي، مما يؤكد وجود شبكة منظمة تعمل على تصنيع وتصدير هذه المواد المخدرة.

ولم تقتصر الجهود على مكافحة المخدرات فقط، بل امتدت إلى تعطيل عمليات تهريب الأسلحة.

ففي طرطوس، وبالتنسيق مع جهاز الاستخبارات، تمكنت مديرية الأمن العام من إحباط عملية تهريب أسلحة كانت متوجهة إلى لبنان عبر معابر غير شرعية، حيث تمت مصادرة الأسلحة والصواريخ قبل وصولها إلى الأراضي اللبنانية.

مافبات الكبتاغون واستغلال الفوضى

وقال فراس حاج يحيى، باحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام لمنصة SY24: “إن من هرب من سوريا بشار وحاشيته العسكرية والأمنية والاقتصادية المقربة، ولكن لم تهرب الشبكات المرتبطة به، بالتالي المسؤول عن هذه العملية هم شبكة الاتجار السابقة ممن لم يهربوا معهم، بمعنى أشمل هم فلول الأسد المتخصصون في تجارة الكبتاغون، وغالبا هم يقومون بتصريف وبيع المخزون الموجود لديهم سابقا في مستودعاتهم”.

وأضاف: “بحسب متابعتي حتى الآن لم يتم اكتشاف مصانع مازالت تعمل ولكن ما تم اكتشافه شحنات مخزنة سابقاً، وفي حال تم القبض على أفراد شبكة الاتجار يتم الكشف عن السلسلة كاملة ابتداء من المواد الأولية إلى التصنيع فالتوزيع، وقد تستغل هذه المافيات عملية عدم الاستقرار لإعادة تصنيع الكبتاغون والاتجار به”.

تأكيد على مكافحة المخدرات وتجفيف منابعها

وعلى صعيد آخر، واصلت إدارة الأمن العام في حلب (قسم الصالحين) جهودها، حيث تم القبض على تاجر مخدرات بعد مداهمة ناجحة في المنطقة، كما تمكن قسم شرطة المزة الغربي من القبض على عصابة متخصصة في السرقة وتجارة المخدرات، حيث تم استرداد بعض المسروقات ومصادرة كمية كبيرة من المواد المخدرة.

وفي ريف دمشق، نجحت قيادة شرطة المنطقة في ملاحقة تجار المخدرات في الزبداني، حيث تمت مصادرة بضاعتهم المخدرة، مما يعكس استمرار الجهود الأمنية في تطويق هذه الظاهرة.

وأكدت وزارة الداخلية السورية، من خلال هذه العمليات الناجحة، على عزمها القوي في مكافحة المخدرات وتجفيف منابعها، معربة عن تطلعها لمزيد من التعاون من قبل المواطنين للإبلاغ عن أي أنشطة إجرامية، وذلك لضمان تعزيز الأمن والاستقرار في جميع أنحاء البلاد.

تجارة لم لم تنته بشكل كامل

ورغم النجاحات التي حققتها وزارة الداخلية في ضبط كميات كبيرة من المخدرات وإحباط عمليات تهريب، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، فتجارة المخدرات في سوريا تُدار من قبل شبكات معقدة ومدعومة من جهات نافذة، مما يجعل من الصعب القضاء عليها بشكل كامل.

وحول ذلك، قال المحلل الاستراتيجي أحمد الحمادي لمنصة SY24: “إنه مع سقوط النظام السابق بدأت أسراره تتكشف، خاصة اعتماده على تجارة المخدرات كأداة تمويل أساسية للعصابة الحاكمة، حيث تم استخدام اقتصاد الظل الأسود هذا كسلاح اقتصادي لتمويل العصابة وإبقائها مسيطرة على الحكم”.

وأضاف: “تم اكتشاف مصانع ومستودعات للحبوب المخدرة في قصور واستراحات يسيطر عليها ماهر الأسد، الشخصية العسكرية الثانية في العصابة، بالإضافة إلى أفراد آخرين، حيث كان ماهر الأسد رأس العصابة الكبتاغونية، مع وجود مجموعات مافيوية مرتبطة به داخليًا وخارجيًا تعمل على تصنيع وتهريب المخدرات عبر شبكات صرافة وبنكية، كما ارتبطت تجارة المخدرات بتجارة الأسلحة، حيث كانت الأولى لتمويل العصابة والثانية للحماية”.

وتابع: “بعد سقوط النظام، توقفت عمليات تصنيع المخدرات بشكل شبه كلي بسبب غياب الغطاء السياسي والعسكري، لكن التجارة لم تنتهِ تمامًا، إذ لا تزال بعض الأذرع العاملة في هذه التجارة نشطة، مما يتطلب جهودًا كبيرة من السلطات الجديدة في دمشق لملاحقة تجار المخدرات ومروجيها، ويجب أن تكون هذه الجهود مشتركة بين السلطة والمجتمع للقضاء على هذه الآفة التي تهدد الأمن الاجتماعي في سوريا والبلدان المجاورة”.

وأكد على أنه: “من المهم أيضًا تحييد قادة المجموعات التشبيحية السابقين، الذين كانوا جزءًا من الفروع الأمنية والفرقة الرابعة، والذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب، كمل يجب معاقبتهم لتحقيق العدالة والحفاظ على السلم الاجتماعي ومنع أي انتقام أو فتن طائفية، فمعاقبة هؤلاء يجب أن يكون هدفًا حيويًا لحماية المجتمع من أي عودة لنشاطهم بعد صدمة سقوط النظام”.

تهديد لأمن واستقرار العديد من الدول

وتشير التقارير الدولية إلى أن سوريا كانت مسؤولة عن إنتاج ما يقارب 80% من الكبتاغون العالمي، وفقًا لبيانات حكومية بريطانية وتقارير معهد “نيولاينز”.

وقد أصبحت هذه المنتجات تهديدًا حقيقيًا للأمن والاستقرار في العديد من الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان والعراق، بالإضافة إلى أسواق ضخمة في دول الخليج.

وكشف تحقيق استقصائي أجراه برنامج “المتحري” على منصة “360” التابعة لقناة الجزيرة في أيلول/سبتمبر 2024، عن تورط عائلة نظام الأسد السابق بشكل مباشر في تصنيع وتوزيع الكبتاغون.

وأشارت مجلة “لوبوان” الفرنسية في تقرير سابق لها إلى أن سقوط نظام الأسد السابق كشف عن نقاط ضعف دولة المخدرات التي كانت قائمة، حيث كانت سوريا تعتمد بشكل كبير على تصدير الكبتاغون إلى دول الخليج، خاصة في ظل العقوبات الدولية التي فرضت على البلاد منذ عام 2011، متسائلة في ذات الوقت عما إذا كانت السلطة السورية الجديدة ستتمكن من بناء دولة خالية من تراث المخدرات الذي خلفه النظام السابق.

وفي ظل هذه الأوضاع، تواجه السلطات السورية الجديدة تحديات جسيمة في القضاء على تجارة المخدرات وإعادة بناء دولة قائمة على أسس سليمة، فالجهود الأمنية الأخيرة تُظهر إرادة في مكافحة هذه الآفة، لكن الطريق لا يزال طويلًا، إذ إن التعاون الدولي ودعم المجتمع المحلي سيكونان عنصرين أساسيين في نجاح هذه الجهود، كما أن تدمير البنية التحتية لإنتاج المخدرات، والتي كانت مرتبطة بشكل وثيق بالنظام السابق، سيكون خطوة حاسمة في تحقيق هذا الهدف.

مقالات ذات صلة