ما تزال آلاف العائلات النازحة في شمال غربي سوريا تعيش تحت ظروف إنسانية قاسية داخل الخيام التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، ومع دخول فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة بشكل كبير، تتزايد الحاجة إلى مواد التدفئة والمساعدات الإنسانية التي تكاد تكون معدومة، مما يضع النازحين أمام تحديات قاسية تهدد سلامتهم وصحتهم.
مبادرات محلية وسط العجز الدولي
في ظل هذا الواقع المؤلم، برزت بعض الحملات التطوعية التي تقودها الفرق المحلية، والتي تسعى جاهدة لتقديم الدعم للأهالي رغم محدودية إمكانياتها.
ومن بين هذه المبادرات، حملة “كن دفئهم 6” التي أطلقها فريق الاستجابة الطارئة التطوعي، وهي حملة إنسانية تسعى لتوفير مواد التدفئة لأكثر من 5000 عائلة تعيش في مخيمات خربة الجوز غرب إدلب والمناطق الأكثر فقراً في ريف إدلب.
قال محمد العلي، مدير المكتب الإعلامي للفريق في حديثه إلينا: إن الحملة تهدف لتخفيف معاناة النازحين، خصوصاً مع انعدام فرص العمل وعدم توفر مواد التدفئة بشكل مجاني، ما يجعل العائلات عاجزة عن تأمين احتياجاتها الأساسية.
وعن تفاصيل الحملة أوضح أن الفريق رصد ميزانية للحملة وصلت إلى 250,000 دولار، واستهدفت 5000 عائلة، بمعدل 14 كيس “بيرين” لكل عائلة، بتكلفة تقارب 50 دولاراً للعائلة الواحدة.
وأضاف أن”عدد المخيمات التي غطتها الحملة بلغ 35 مخيماً في خربة الجوز والمناطق المحيطة، بالإضافة إلى دعم العائلات المحتاجة في باقي المناطق الريفية”.
أرقام صادمة: وضع النازحين في المخيمات
وفقاً لتقرير صادر عن فريق “منسقو استجابة سوريا”، مؤخراً تُظهر الإحصائيات حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها النازحون،إذ أن 77 ٪ من النازحين لم يحصلوا على مواد التدفئة لهذا العام، و94 ٪ من سكان المخيمات لا يستطيعون العودة إلى منازلهم بسبب الدمار الهائل الذي خلّفه القصف.
وأضاف التقرير أن أكثر من 1.9 مليون نازح يعيشون ظروف شديدة القسوة، وسط نقص حاد في الخدمات الأساسية، إذ لم تصل نسبة العائدين إلى مناطقهم الأصلية من المخيمات 2.16 ٪ حتى الآن.
تحديات قاسية وأمل ضعيف
تُعدّ مخيمات شمال غربي سوريا من بين المناطق الأكثر تضرراً بفعل الحرب المستمرة، حيث تعاني العائلات من البرد القارس في ظل وقوع المخيمات في مناطق جبلية وعرة، وتزيد من المعاناة حالة الدمار الكامل للقرى والبلدات التي نزحوا منها، ما يحرمهم من أي أمل قريب بالعودة إلى ديارهم.
مراسلة SY24 التقت “فضة القاسم” ، وهي سيدة أربعينية تقطن في أحد مخيمات منطقة كفر لوسين شمال إدلب بعد نزوحها من ريف حماة منذ سنوات، تقول: “منذ أن نزحنا إلى هنا لم تصلنا أي مساعدة تُذكر، ومع حلول الشتاء كل عام تتجدد معاناتنا مع البرد القارس، لا أستطيع شراء مواد التدفئة بسبب ارتفاع أسعارها، مما يضطرني إلى استخدام المواد البلاستيكية، الأحذية القديمة، والألبسة المهترئة لإشعال المدفأة، رغم معرفتي بالأضرار التي تسببها، الأبخرة السامة التي تنبعث من هذه المواد تملأ خيمتنا الصغيرة، وأطفالي يعانون من سعال متكرر وحرقة في أعينهم، ولكن لا خيار أمامي، فالبديل هو مواجهة البرد دون أي وسيلة تدفئة”.
وأضافت فضة بنبرة مليئة بالأسى: “حياتنا هنا أصبحت أشبه بالصراع اليومي من أجل البقاء، ولا أحد يشعر بمعاناتنا أو يلتفت إلينا، نعيش على أمل أن تمتد لنا يد العون، ولكن حتى الآن لم نجد سوى الإهمال والنسيان، لا نستطيع العودة إلى منازلنا المدمرة، ولا نملك الموارد الكافية لنحيا بكرامة هنا في المخيمات”.
هذه الكلمات تعكس معاناة مئات العائلات التي تقضي فصل الشتاء في ظروف شديدة القسوة، وسط غياب شبه كامل للدعم من الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية، خاصة بعد انسحاب العديد منها من المناطق المحررة إلى مناطق أخرى، تاركةً النازحين في مواجهة مصيرهم دون أي حلول تلوح في الأفق.
وفقاً لما رصدته منصة SY24، شهدت أسعار مواد التدفئة في شمال سوريا ارتفاعاً كبيراً، حيث بلغ سعر طن قشر الفستق 220 دولاراً، وسعر طن الحطب يتراوح بين 150 و175 دولاراً حسب الجودة، بينما تراوح سعر طن البيرين بين 150 و180 دولاراً، وسجل سعر لتر المازوت 37 ليرة تركية، هذه الأسعار مرتفعة جداً مقارنة بدخل الفرد، إذ لا تتعدَ أجرة عامل المياومة في المتوسط خمسة دولارات يومياً، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية الاحتياجات اليومية الأساسية أو شراء مواد التدفئة الضرورية.