تعيش مدينة معضمية الشام في ريف دمشق أوضاعًا إنسانية بالغة التعقيد، حيث تتزايد معاناة سكانها الذين يتجاوز عددهم الآن 200 ألف نسمة، نصفهم تقريبًا من المهجرين داخليًا من مختلف المحافظات السورية.
وأصبحت المدينة التي لا تتجاوز مساحتها 3 كيلومترات مربعة مكتظة بشكل غير مسبوق، ما فاقم من أزماتها الخدمية والاقتصادية.
وبحسب وسيم الأحمد، من المكتب الإعلامي لمدينة المعضمية في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، فإن المدينة تعاني “إهمالاً وتهميشًا”، وسط غياب شبه كامل للخدمات الأساسية.
ويعيش السكان على هامش الحياة اليومية، حيث لا يتجاوز وصول التيار الكهربائي ساعتين يوميًا مقابل 22 ساعة انقطاع، فيما تصل مياه الشرب إلى المنازل لساعات محدودة في يوم واحد فقط خلال الأسبوع.
كما أن البنية التحتية للمدينة باتت في حالة كارثية، إذ أن شبكات الكهرباء مدمرة بنسبة تفوق 80%، بينما تعاني شبكات الصرف الصحي من تدهور كبير جعلتها عاجزة عن التصريف، خاصة خلال موسم الأمطار، كما خرجت أجزاء واسعة من شبكات مياه الشرب عن الخدمة، مما زاد من معاناة الأهالي.
الأمر الأكثر إيلامًا هو غياب أي دور للمنظمات الإنسانية منذ سقوط النظام، ما ترك العبء بأكمله على عاتق الإدارة المحلية والأهالي، الذين يحاولون مواجهة هذه التحديات بإمكانيات محدودة للغاية.
وشهدت المدينة عودة عدد كبير من أهلها الذين تم تهجيرهم قسرًا إلى محافظة إدلب عام 2016، بعد أن دمر النظام السابق جزءًا كبيرًا من منازلهم. هذه العودة أسهمت في زيادة الكثافة السكانية بشكل كبير داخل مساحة ضيقة، حيث يعيش معظم الأهالي تحت خط الفقر، في ظل نقص حاد في المواد الغذائية، ووقود التدفئة، والخدمات الأساسية.
وتساءل الأحمد قائلا: “في ظل هذه الظروف الخانقة، يبقى السؤال الأهم: هل سيصل صوت معضمية الشام إلى من يستطيع تقديم العون؟ أم ستظل المدينة غارقة في الإهمال والنسيان؟”.
وتعاني المدارس في معضمية الشام أيضًا من فقدان شبه تام للخدمات الأساسية، بما فيها الكهرباء والمياه والتدفئة، مما يعيق العملية التعليمية بشكل كبير.
أما القطاع الصحي، فهو في وضع مأساوي، حيث تفتقر المراكز الطبية إلى أبسط التجهيزات اللازمة، وسط مطالبات ملحّة بتقديم دعم صحي عاجل وإعادة تأهيل البنية التحتية للمدينة.
وإلى جانب الأوضاع المعيشية المتدهورة، يطالب سكان معضمية الشام برفع الاستملاك الذي فرضه النظام على 84% من مساحة المدينة، حيث يسعى الأهالي إلى استعادة أراضيهم المسلوبة، حيث باتت هذه القضية من المطالب الأساسية للمدينة، خاصة مع توقف عمليات البيع والشراء للعقارات، وانخفاض النشاط التجاري إلى أدنى مستوياته.
ورغم التدهور الاقتصادي، لا تزال معضمية الشام من المناطق المرغوبة للاستئجار بسبب قربها من العاصمة دمشق وانخفاض أسعارها مقارنة بالعاصمة.
ومع ذلك، أدى هذا الطلب إلى ارتفاع ملحوظ في إيجارات المنازل، رغم الركود الحاد في سوق العقارات.
وتتراوح الإيجارات بين 500 ليرة سورية لمنازل فاقدة لكل الخدمات الأساسية، وحتى مليوني ليرة سورية للمساكن شبه الممتازة، مع شرط الدفع المسبق لمدة ستة أشهر.
وفي محاولة لتخفيف المعاناة، قررت إدارة المدينة بالتعاون مع لجنة المجتمع الأهلي إنشاء صندوق مالي لجمع التبرعات من أبناء المدينة في الداخل والخارج.
ويهدف هذا الصندوق، حسب المكتب الإعلامي للمدينة، إلى تحسين الخدمات العامة والارتقاء بالواقع الإنساني، حيث سيتم استخدام الأموال لتنظيف الشوارع، والتخلص من القمامة، وسقاية الأشجار.
من جهته، سامر أبو عمرو، أحد سكان المدينة، أكد في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، على أن “أكثر من 92% من أهل المعضمية لا يعملون حاليًا”، مشيرًا إلى أن الوضع الاقتصادي “تحت الصفر”.
وأوضح أن الكثيرين، ومنهم نفسه، يعانون من عدم استلام أجورهم لأسابيع طويلة بسبب غياب السيولة النقدية وشلل الأسواق التجارية، وقال: “أنا هنا أتحدث عن نفسي، لم أقبض من عملي في ورشة الخياطة لمدة 8 أسابيع، رغم أنني خبير في مجال الجودة، المشكلة ليست في العمل، بل في غياب السيولة النقدية وسوق التصريف”.
وأشار إلى أن الأسواق تعاني من شلل كامل تقريبًا، وأن قدرة الناس الشرائية تعتمد حاليًا على الدين، سواء لشراء الطعام أو الأدوية أو مواد التنظيف.
وفي ظل هذه الظروف الخانقة، تبقى معضمية الشام مدينة تعاني من أزمات متعددة الأبعاد، سواء من غياب الخدمات الأساسية إلى ارتفاع الكثافة السكانية وتفاقم البطالة والفقر.
ومع الجهود المحلية المحدودة، تبقى الحاجة ملحة لتدخلات إنسانية وتنموية عاجلة لإعادة الحياة إلى طبيعتها في هذه المدينة المنكوبة.