تُعدّ حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا وموطنًا لصناعات عريقة امتدت عبر الأجيال، حيث توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، لتظل الصناعة ركيزة أساسية في اقتصاد المدينة رغم ما واجهته من دمار ومعوقات، ورغم التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع الصناعي، إلا أن هناك جهودًا حثيثة للنهوض من جديد، خاصة في المدينة الصناعية بالشيخ نجار، التي تُعتبر مركزًا استثماريًا مهمًا يضم مئات المنشآت الصناعية في مختلف القطاعات.
المدينة الصناعية بحلب.. بيئة استثمارية واعدة رغم التحديات
في حديث خاص لـ “سوريا 24”، أكد حسين الراعي، مستشار المدير العام في المدينة الصناعية بحلب، أن المدينة الصناعية بالشيخ نجار تُعدّ مركز استقطاب استثماري رئيسي للصناعيين، حيث توفر بيئة حاضنة للصناعات المختلفة،
وأوضح أنها تقدم خدمات متكاملة تشمل البنية التحتية من كهرباء ومياه وصرف صحي، إضافة إلى مقاسم صناعية بمساحات متنوعة تتيح للمستثمرين خيارات متعددة وفق احتياجاتهم، كما توفر المدينة نافذة إدارية موحدة تسهل الإجراءات على الصناعيين والمستثمرين دون الحاجة للتنقل بين الدوائر الحكومية، ما يجعل العمل أكثر سلاسة ويقلل من التعقيدات البيروقراطية.
وأشار الراعي إلى أن عدد المعامل المنتجة في المدينة الصناعية وصل إلى نحو 960 منشأة صناعية، تشمل قطاعات متعددة مثل الصناعات الغذائية، النسيجية، الكيميائية، الهندسية، والدوائية، ما يجعلها رافدًا اقتصاديًا مهمًا للمدينة.
ولفت إلى أن حق التملك للمستثمرين الأجانب داخل المدينة الصناعية كان أحد العوامل التي شجعت على جذب الاستثمارات، مؤكدًا أن موقع المدينة الاستراتيجي، الذي لا يبعد سوى 15 كيلومترًا عن مركز حلب، يسهم في تسهيل عمليات النقل ويوفر بيئة مناسبة للإنتاج والتوزيع.
رغم الجهود المبذولة لدعم الإنتاج الصناعي، إلا أن هناك تحديات ما تزال تؤثر على نمو القطاع، أبرزها مشاكل الطاقة التي يعاني منها الصناعيون بسبب انقطاعات الكهرباء وعدم استقرار التيار الكهربائي، ما ينعكس على كفاءة الإنتاج، وتعمل المدينة الصناعية بالتنسيق مع وزارة الكهرباء لإيجاد حلول تضمن استمرار التيار الكهربائي وإصلاح الأعطال بشكل أسرع، كما أن التشريعات الاقتصادية القديمة كانت تشكل عائقًا أمام المستثمرين، لذلك يجري العمل حاليًا على إعادة صياغتها لتسهيل الإجراءات وتحفيز أصحاب رؤوس الأموال على توسيع أعمالهم.
ارتفاع تكاليف الإنتاج يمثل تحديًا آخر، لا سيما مع ارتفاع أسعار حوامل الطاقة مثل الكهرباء والمحروقات، ما يؤدي إلى زيادة كلفة التصنيع ويؤثر على تنافسية المنتج السوري في الأسواق المحلية والدولية.
في الوقت ذاته، يواجه القطاع الصناعي صعوبة في التصدير إلى الأسواق الخارجية، حيث يطالب الصناعيون بتقديم تسهيلات لدعم الصادرات السورية، خصوصًا إلى دول الجوار، لضمان تدفق المنتجات السورية وتعزيز النمو الاقتصادي.
الصناعة في حلب: بين الإرث التاريخي والمعوقات الحالية
من جهته، أكد محمود الشيخ، أحد الصناعيين في المدينة الصناعية الشيخ نجار، أن الصناعة في حلب لم ولن تموت، فهي متجذرة في وجدان أهل المدينة الذين حملوها في دمائهم عبر الأجيال.
وأوضح أن القطاع الصناعي واجه تحديات صعبة خلال السنوات الماضية، حيث تعرضت المصانع والمنشآت الصناعية للدمار، لكن الصناعيين استطاعوا إعادة الترميم والتشغيل رغم الظروف القاسية، ومع ذلك، ما زالت العقبات قائمة، خاصة فيما يتعلق بارتفاع تكاليف الإنتاج، نقص الطاقة، وعدم الاستقرار الاقتصادي الذي يحد من قدرة المستثمرين على التخطيط طويل الأمد.
وأشار إلى أن الصناعيين كانوا يخشون في الماضي التوسع أو التطوير بسبب القيود المفروضة عليهم، إذ كانت البيروقراطية المعقدة تعرقل الاستثمار وتضعف إمكانيات النمو. ورغم ذلك، عبّر عن تفاؤله بالمستقبل، مؤكداً أن المرحلة القادمة تشهد تأسيس دولة جديدة تعتمد على اقتصاد قوي، داعيًا إلى خفض تكاليف الطاقة وتوفير بيئة اقتصادية مستقرة تدعم الإنتاج والصادرات.
نحو مستقبل أكثر إشراقًا للصناعة في حلب
رغم التحديات الكبيرة، يرى الخبراء والصناعيون أن المدينة الصناعية بحلب تمثل حجر الأساس لإعادة إحياء القطاع الصناعي السوري، وأن تحسين الخدمات المقدمة للمستثمرين وتوفير بيئة عمل مستقرة من شأنهما أن يسهما في تعزيز الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية للمنتج السوري.
دعم الدولة للصناعيين، وتطوير التشريعات الاقتصادية، وتحفيز الصادرات، كلها عوامل ستحدد مستقبل الصناعة في حلب، وسط آمال بأن تشهد المدينة انتعاشًا اقتصاديًا يعيدها إلى مكانتها الرائدة كمركز صناعي إقليمي ودولي.