هنأ قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي الرئيس السوري أحمد الشرع، في حين اعتبرت الإدارة الذاتية قبل أيام أن تنصيب الشرع في “مؤتمر النصر” أمر غير قانوني، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات حول الدلالات المستقبلية لهذا التطور اللافت.
وفي خطوة غير متوقعة، أشاد عبدي بزيارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى عفرين، معتبرًا أنها خطوة هامة لتشجيع العودة الآمنة للسكان الأصليين وتعزيز الحوار بين مختلف المكونات السورية. كما وجه له دعوة لزيارة مدن شمال شرق سوريا.
هل هناك انفتاح سياسي؟
وقال رياض درار، الرئيس المشترك للمكتب الاستشاري لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد) في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “إن زيارة الشرع إلى عفرين والتصريحات التي أدلى بها كانت إيجابية جدًا، وتتماشى مع لقاء عبدي وتصريحاته الصحفية الأخيرة التي أكدت تهنئة عبدي للشرع ودعوته لزيارة المنطقة بناءً على تحركاته التي يقوم بها إلى إدلب وحلب والساحل، وكل هذا يأتي من باب المقاربات التي قد تؤدي إلى انفتاح سياسي”.
وأضاف: “أعتقد أن عبدي صادق في نيته وتوجهه، ويريد العمل من أجل إيجاد حل حقيقي للقضايا العالقة، بما في ذلك الخلافات حول تشكيل وزارة الدفاع وإخراج المقاتلين الأجانب، وهي قضايا يمكن حلها عبر التفاوض، وهي من المطالب الرئيسية التي يمكن تنفيذها بشرط أن تكون الآلية مناسبة لجميع الأطراف، كما أن هناك قضايا أخرى قابلة للنقاش والحل، مثل إدارة المناطق الداخلية والمربعات الأمنية التي خرج منها النظام، بالإضافة إلى قضايا الحدود، وبهذه العقلية المنفتحة من الطرفين كليهما، يمكن أن تؤدي الجهود إلى نتائج إيجابية”.
إعادة تموضع في المشهد السوري
تصريحات مظلوم عبدي التي نقلها موقع “نورث برس” تشير إلى أن قسد قد تكون بصدد إعادة تموضعها في المشهد السياسي السوري، فبعدما كانت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قد وصفت مؤتمر النصر الذي عقد في دمشق وتم خلاله تنصيب أحمد الشرع بأنه “غير قانوني”، جاءت هذه الخطوة كإشارة واضحة إلى استعداد قسد لإعادة النظر في موقفها، خاصة في ظل الضغوط الداخلية والخارجية التي تواجهها.
من جهته، قال أبو عمر الإدلبي القيادي في قوات “قسد” في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “إن موضوع الاعتراف بأحمد الشرع أمر طبيعي لأننا في مرحلة تفاوض، والاعتراف بالمرحلة الانتقالية أمر حاصل، فالدولة كلها اعترفت بوجود رئيس للمرحلة الانتقالية، ومن المحتمل أن نشهد زيارة قريبة لوفد الحكومة السورية إلى المنطقة الشرقية”.
وتابع: “المفاوضات لا تزال في بداياتها، وتركز على وضع آلية لتطبيق البنود، والتي تشمل دمج قوات (قسد) ضمن الجيش السوري وإعادة المؤسسات الحكومية وإخراج المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى وقف الحرب عند سد تشرين”، وأضاف: “المفاوضات تحتاج إلى وقت لتنفيذ هذه البنود، ولكن هناك شيء إيجابي بين الطرفين، وهو أن هناك ضمانات من دول داعمة لكلا الطرفين، حيث تعتبر الولايات المتحدة وفرنسا الضامنتين لتعزيز الثقة بينهما”.
دوافع واستراتيجيات قسد
محللون سياسيون يرون أن هذا التحول ليس محض صدفة، بل هو نتيجة مجموعة من العوامل التي دفعت قسد إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة، قال الدكتور سمير عبد الله، رئيس وحدة تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات، في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “يحاول مظلوم عبدي، عبر تهنئة أحمد الشرع، إعادة تموضع قسد في المشهد السياسي السوري، مستفيدًا من المرحلة الانتقالية مع إبقاء قنوات التفاوض مفتوحة مع دمشق، وهذه الاستراتيجية تكشف عن رهان مزدوج بين الانخراط في الترتيبات السياسية الجديدة والحفاظ على خط التواصل مع النظام، تحسبًا لأي تغييرات مستقبلية”.
وأضاف: “تصريحات عبدي حول دعم الوحدة الوطنية تعكس رغبة قسد في تقديم نفسها كطرف وطني، وليس انفصاليًا، خاصة مع تصاعد الاحتقان العربي ضد سياساتها في شمال وشرق سوريا، ومع ذلك، فإن الخطاب التوافقي لا يخفي التحديات الداخلية، مثل التوتر مع العشائر العربية، ولا الخارجية، حيث إن تركيا ترفض أي دور لقسد في مستقبل سوريا”.
وتابع: “لكن رغم هذه المناورة، تواجه قسد تحديات كبرى: عدم وضوح الموقف الدولي تجاه مستقبلها، ورفض دمشق تقديم تنازلات لها، وضغوط تركية متزايدة، ودون توافقات داخلية وضمانات دولية قد تجد قسد نفسها مجرد ورقة تفاوضية، لا قوة سياسية مستقرة في المرحلة الانتقالية”.
أما المحلل السياسي، بسام أبو عدنان، فقال في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “هذه خطوة جيدة من قسد، وهناك عدة أسباب دفعت لهذه الخطوة، فقسد تعاني من أزمة داخلية على صعيد مناطقها، وهناك الكثير من المكونات العربية وحتى الكردية ليست مع مسارها، بل مع مسار دمشق وما تطرحه دمشق، خاصة في ظل الطرح الوطني الذي تتحدث عنه حكومة دمشق. ثانيًا، الإقليم واضح أنه لن يكون مع قسد، وثالثًا وهو الأهم أن الموقف الأمريكي ما يزال ضبابيًا، ولذلك قسد أمام عدة تحديات”.
وأضاف: “هناك معلومة عن وصول فيديو من عبد الله أوجلان إلى مظلوم عبدي، أمس الإثنين، وكلنا نعلم أن أوجلان هو المنظر لحزب العمال الكردستاني، أي أن المنظر الأكبر لهذا الحزب يبدو أن لديه مراجعات تصب في صالح المسار الوطني السوري واندماج قسد، وبشكل عام مراجعات بخصوص القضية الكردية في كل أنحاء العالم، وبالتالي هذا التصريح جيد وهو خطوة يمكن أن يُبنى عليها مستقبلًا”.
خطوة لا تخلو من التحديات
وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة، إلا أنها لا تخلو من التحديات: أولًا، الحكومة السورية لا تزال ترفض بشكل قاطع أي تنازلات لقسد، سواء فيما يتعلق بالحفاظ على كيانها العسكري المستقل أو بخصوص تقاسم الموارد الاقتصادية.
وقال الباحث في شؤون “الجماعات الجهادية” عرابي عرابي في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “إن قسد تنازلت عن شرط النفط 50% وقالت إنها ترضى بـ70% من النفط لصالح الحكومة المركزية و30% لها، لكنها لم تتراجع عن شرط الحفاظ على كيان قسد العسكري كفصيل مستقل وإن كان تحت مظلة الحكومة”.
وتابع: “حتى لو تراجعت عن الشرط الأول بشكل جزئي، فإن السياسة الاستراتيجية للحكومة لن تقبل هذين الشرطين بالمطلق، سواء جزئيًا أو كليًا، كونه سيشكل جسراً لفئات أخرى للمطالبة بمطالب أخرى، ولذلك لا أتوقع أن يكون هناك أي تجاوب مع قسد بهذا الخصوص”.
تحولات محتملة وتأثيرها المحوري على قسد والمنطقة
من جانبه، اعتبر شلال كدو، عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي، أن التناقض في مواقف الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا ناجم عن ضغوط متعددة الأطراف، لافتًا إلى أن مبادرة عبد الله أوجلان التي تدعو إلى إلقاء السلاح قد تلعب دورًا محوريًا في تشكيل مستقبل المنطقة خلال الأيام المقبلة.
وقال كدو في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “هذا الارتباك في المواقف أو هذا التناقض الواضح في موقف أقطاب الإدارة الذاتية ربما يعود إلى تعرض هذه الإدارة لضغوطات من مختلف الأطراف، سواء الدولية، أو الإقليمية أو الكردية أو الوطنية السورية أو حتى الشعبية إذا جاز التعبير”.
وأضاف: “لا أستبعد أن يكون لمبادرة أوجلان التي تتحدث عن ضرورة إلقاء السلاح تأثير كبير في مواقف مسؤولي الإدارة الذاتية، وهذه المبادرة التي ستنطلق خلال الأيام القليلة المقبلة سيكون لها دور وتأثير كبيران على المشهد في شمال شرق سوريا”.
في ظل الضغوط الداخلية والخارجية، تجد قسد نفسها أمام خيارات مصيرية قد تعيد تشكيل موقعها في المشهد السوري. فهل ستتمكن من تحقيق توازن بين مصالحها والواقع السياسي الجديد، أم ستظل مجرد ورقة تفاوضية في حسابات القوى الإقليمية والدولية؟