دمشق: سوريا ٢٤ في حي التضامن تستحضر ذاكرة المقابر الجماعية واعترافات أحد الجناة

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

في حيّ التضامن المدمر، حيث لم تبقَ سوى أنقاض تحكي فصولًا من الرعب، يمشي القاتل بين الخراب كما لو كان يستعيد لحظات مجده الدموي. المباني المهدّمة ليست مجرد حجارة متناثرة، بل شواهد صامتة على المجازر التي ارتُكبت هنا.. تحت هذا الركام، يرقد مئات الضحايا الذين ساقهم إلى حتفهم بعينين معصوبتين وقلوبٍ مرتجفة.

منذر الجزائري، أحد المتهمين بمجازر التضامن، في حديث مع مراسل سوريا ٢٤، لا يتذكر الأرقام بدقة، لكنه يعترف بقتل 500 شخص على الأقل.. ربما خانته ذاكرته، أو ربما فضّل ألا يتذكر، فالأرقام لا تعني شيئًا لمن اعتاد القتل. يتحدث عن ضحاياه وكأنهم مجرد ظلال، لا أسماء لهم ولا قصص، كأن محو هوياتهم يخفف من وطأة الجريمة. يصرّ على أنهم رجال فقط، وكأن الجندر يستطيع أن يغيّر شيئًا في فداحة ما ارتكبه.

في مشهد بارد، يستعيد القاتل تفاصيل جرائم: عشرات الضحايا يُساقون إلى مصيرهم، يُطلق عليهم الرصاص، ثم يُلقون في الحفر الجماعية، قبل أن تُفخّخ المباني وتُفجّر لإخفاء الجريمة.. في كلماته القليلة، يبدو أنه يسعى لإغلاق الباب أمام ذاكرة المجازر، لكنه وسط الركام يستحضر صور ضحاياه دون قصد، يتذكر كيف كان يلهو مع رفاقه القتلة بأرواحهم، كيف كانت خطواته ثابتة حينذاك، وكيف يتلعثم الآن حين يُسأل عن العدد، مؤكدًا بصوته المضطرب أنهم 500 فقط.

بين ركام المباني، اصطدمت قدم مراسلنا جميل الحسن ببقايا عظام من تعرضوا للتصفية، مشيرًا إلى أن الفرق الأمنية أبلغته بالعثور على بقايا بشرية، جرى دفنها في مقابر لمجهولي الهوية دون أن يستطيع فريق الأدلة الجنائية إحصاء القتلى الذين بقيت عظامهم شاهدةً على لحظات التعذيب الأخيرة قبل مقتلهم.

مجزرة كشفتها الغارديان.. ووحشية بطلها أمجد يوسف

في عام 2022، كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عبر فيديو مسرّب تفاصيل مجزرة التضامن، حيث ظهر أمجد يوسف، الضابط في فرع المخابرات العسكرية السوري، وهو ينفذ عمليات إعدام جماعية بدم بارد. وفقًا للتحقيق، فقد قُتل 41 شخصًا في يوم واحد، غالبيتهم من المدنيين والمعتقلين الذين تم إعدامهم ميدانيًا، قبل أن يتم إلقاؤهم في حفرة جماعية وإضرام النار فيهم وهم أحياء.

يوسف، الذي أقرّ بجرائمه خلال مقابلة أجراها معه الباحث أنصار شحود، حاول التبرير بأن ما فعله كان جزءًا من عمليات أمنية ضد “الإرهابيين”. لكن صوره في الفيديو، وهو يطلق الرصاص على الضحايا واحدًا تلو الآخر، قبل أن يدفعهم إلى القبر الجماعي، لا تدع مجالًا للشك في وحشيته وتجرده التام من أي إنسانية.

ملاحقة القتلة.. لكن العدالة بعيدة

رغم الجهود الأمنية لملاحقة مرتكبي مجزرة التضامن، إلا أن التراب السوري المشبّع بدماء الضحايا يجعل المهمة شبه مستحيلة. ففي كل مدينة مدمرة، هناك ضحية دفنت تحت الأنقاض، وقاتل أفلت من العقاب، أو عاد ليندمج في “العهد الجديد”، متخفيًا بين الناس بحثًا عن مغامرة قاتلة أخرى.

مدير أمن دمشق المقدم عبد الرحمن الدباغ أكد لمنصة سوريا 24 أنه تم اعتقال ثلاثة أشخاص من المتورطين في مجازر التضامن، من بينهم منذر الجزائري، الذي ينحدر من حي الزاهرة، إلى جانب كل من سومر محمد المحمود وعماد محمد المحمود، وأشار إلى أن الموقوفين الثلاثة اعترفوا بارتكاب مجازر في حي التضامن، تم فيها تصفية أكثر من 500 رجل وامرأة من المدنيين بدون أي محاكمة أو تهمة..

لا تزال رائحة الدم عالقة في المكان، فيما سيبقى أهالي الضحايا يحيون ذكرى المذبحة التي ارتُكبت بحق أبنائهم، والذين دفعوا ثمنًا باهظًا في مسيرة التحرر من سلطة نظام الأسد البائد. أما القتلة، وإن أفلت بعضهم اليوم، فالتاريخ لا ينسى،
والعدالة وإن تأخرت، لا تموت.

مقالات ذات صلة