في خطوة أثارت جدلاً واسعاً بين المواطنين، تقدم مدير أوقاف دمشق سامر بيرقدار، بكتاب رسمي إلى وزير الأوقاف، اقترح فيه مخاطبة رئيس مجلس الوزراء لإصدار تعميم يُلزم جميع الجهات العامة والخاصة باحترام خصوصية شهر رمضان ومنع المجاهرة بالإفطار خلال الشهر الفضيل.
وجاء في الكتاب التأكيد على ضرورة تطبيق العقوبات المنصوص عليها في المادة رقم /462/ من قانون العقوبات السوري، وذلك “احتراماً لمشاعر الصائمين”.
المقترح، الذي أشار إلى أهمية تعزيز القيم الاجتماعية والدينية المرتبطة بشهر رمضان، لم يكن محل إجماع بين السوريين، حيث انقسمت الآراء حوله بين مؤيد ومعارض، ما فتح باب النقاش حول مفهوم الحرية الشخصية وحدودها في مجتمع متعدد الثقافات والأديان.
كما أثار المقترح ردود فعل متباينة بين السوريين، حيث عبر البعض عن رفضهم للقرار، معتبرين أنه يمثل نوعاً من تقييد الحريات الشخصية، بينما رأى آخرون أن المقترح يعكس ضرورة احترام القيم الاجتماعية والدينية في المجتمع.
ورأت الناشطة الحقوقية أمينة الحلبي في حديثها لمنصة سوريا ٢٤، أن هذا القرار خاطئ لأن الشعب السوري يتعدد فيه الأديان، ولا يجوز أن نتخذ قرارًا بإغلاق المطاعم أو المقاهي بحجة الصيام، حسب تعبيرها.
وأضافت:” المسيحيون والإسماعيليون وغيرهم من الطوائف على سبيل المثال، لا يعقل أن يُمنعوا من الذهاب إلى المطاعم والمقاهي بسبب الأشخاص الذين يصومون، حتى بين المسلمين هناك من لا يصوم لظروف شخصية أو صحية، وبالتالي هذا الموضوع يتعلق بالحرية الشخصية ويجب احترام خصوصية الجميع”.
وفي السياق ذاته، أعرب التيار المدني في مدينة صافيتا عن رفضه للمقترح، معتبراً أن سوريا الجديدة يجب أن تكون قائمة على تعزيز الحريات بدلاً من إعادة تقييدها.
وأكد المتحدثون باسم التيار في بيان، أن السوريين كانوا دائماً يحترمون ويراعون مشاعر بعضهم البعض بشكل حضاري وجميل، دون الحاجة إلى فرض قوانين أو عقوبات، مشيرين إلى أن التعايش والتسامح هما من السمات الأساسية للمجتمع السوري، وأن مثل هذه القرارات قد تؤدي إلى زعزعة هذه القيم.
من جهة أخرى، رأى البعض أن المقترح لا يعني فرض عقوبات صارمة أو مراقبة يومية، بل هو مجرد توجيه أدبي يهدف إلى تعزيز الاحترام المتبادل بين المواطنين.
وأشاروا إلى أن “قرار منع الإفطار العلني في رمضان إن صدر فهو قرار أدبي توجيهي لا يتضمن سجن أو غرامة أو ما شابه ذلك”.
وأوضحوا أن الأمر يتعلق فقط بالتقيد بأدبيات مجتمعية بسيطة، مثل إغلاق باب المكتب أثناء تناول الطعام أو الجلوس في مكان غير ظاهر في المطاعم، وهي أمور كانت موجودة منذ زمن بعيد.
وقال الشيخ عيثم السعيد، مدرس تربية إسلامية حائز على ماجستير في الحديث، في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “المسألة تتعلق ببعض الأحكام الشرعية المرتبطة بالإمام أو ولي الأمر، ففي الماضي كان هذا الجانب مفقوداً لأن ولي الأمر لم يكن شرعياً، وبالتالي كانت الأحكام المرتبطة به غير مطبقة، ومن بين هذه الأحكام: أحكام الجنايات، وأمور إدارة الدولة والمسائل العامة”.
وأضاف: “اليوم، هناك أمر جديد قد ظهر في سوريا وغير مألوف لدى الناس، وهو الالتزام بالأحكام المرتبطة بولي الأمر، شريطة أن لا تكون فيها مخالفة شرعية، وهذا الأمر ليس فيه أي مخالفة للشرع، بل هو جزء من الطاعة المشروطة التي أمرنا بها الله سبحانه وتعالى، والدليل على ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، وقد فسر العلماء هذه الآية بأن طاعة أولي الأمر واجبة ما دامت في إطار الطاعة لله ولم تكن فيها معصية، أي أن ولي الأمر يجب أن يُطاع في الأمور التي يصدرها ما دامت لا تخالف الشريعة الإسلامية”.
وتابع: “وهذا أيضا يدخل في باب احترام الشعائر الدينية للآخرين، وكما أنه مطلوب من المسلمين أن يحترموا الشعائر الدينية لغير المسلمين أيضا يطلب لغير المسلمين أن يحترموا الشعائر الدينية للمسلمين، وهذا من باب التكافل الاجتماعي أو التعايش الاجتماعي أيضا”.
من جهته، قال ياسين الزامل في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “المقترح ليس في وقته حالياً لأن هناك أولويات أكثر أهمية تحتاج إلى التركيز عليها، مثل تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمواطنين”.
وأضاف: “الناس بشكل تلقائي تحترم الشهر الفضيل، وليس من الوارد اليوم إثارة عش الدبابير، كما يقال بالعامية”.
ووافقه الرأي حسين الحسن، مشيراً في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، إلى أن الجميع من مختلف الأطياف الدينية والاجتماعية يحترمون شهر رمضان، مستبعداً وجود أي مجاهرة بالإفطار أو التقليل من احترام الصائمين، وفق تعبيره.
ويبقى الجدل حول مقترح منع المجاهرة بالإفطار في رمضان مفتوحاً، حيث يعكس هذا النقاش التباين الكبير في وجهات النظر حول مفهوم الحرية الشخصية ودور الدولة في تنظيم السلوك الاجتماعي.
وبينما يرى البعض أن المقترح يعزز القيم الاجتماعية والدينية، يعتقد آخرون أنه قد يؤدي إلى تقييد الحريات ويخلق حالة من الاستقطاب المجتمعي.
يشار إلى أن رئيس “الجمعية الفلكية السورية” محمد العصيري، أعلن أن المعطيات الفلكية تشير إلى أن شهر رمضان في سوريا سيبدأ يوم السبت الموافق للأول من شهر آذار/مارس القادم.