أكد أكاديميون وسياسيون من أهالي الجنوب السوري، في حديثهم لمنصة سوريا 24، رفضهم القاطع لتصريحات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، مشددين على أن الدروز وأي مكون آخر هم جزء لا يتجزأ من النسيج السوري الموحد، وأنه لا يحق لأي جهة خارجية التدخل في الشأن الداخلي السوري.
وأشار الأكاديميون إلى أن مثل هذه التصريحات تعكس نهجًا استعماريًا يهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة واستغلال التنوع الطائفي لتحقيق أجندة سياسية معينة.
وفي خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أعرب نتنياهو عن التزام إسرائيل “بحماية” الطائفة الدرزية في سوريا، مؤكدًا أن إسرائيل لن تسمح لأي قوات عسكرية، سواء كانت تابعة لهيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد، بالدخول إلى المناطق الواقعة جنوبي دمشق.
وتأتي هذه التصريحات في سياق متغيرات سياسية كبيرة شهدتها سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي، وهو الحدث الذي وصفه نتنياهو بأنه أحدث “تغييرًا كبيرًا” في خريطة الشرق الأوسط.
وفي هذا الصدد، قال السياسي السوري يحيى العريضي، في حديثه لمنصة سوريا 24: “إن احتلال إسرائيل لأراضٍ سورية عمل عدائي لا يخدم السلام، وهو خرق جديد للقانون الدولي، ويجب أن تتحمل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن مسؤوليتها تجاه السلام في المنطقة”.
وأضاف: “السوريون ليسوا مسؤولين عن تصريحات نتنياهو أو غيره، والمستجدات في المنطقة الجنوبية ليست مسؤولية محلية في المحافظات الثلاث، بل مسؤولية وطنية، وعوضًا عن مطالبة المجتمع الأهلي والناس في الجنوب بمواقف رسمية، يجب النظر في غياب موقف واضح من الحكومة المؤقتة والقلق من عدم تحملها مسؤوليتها باتخاذ الموقف السياسي المناسب”.
الدروز في سوريا، الذين يعيشون بشكل رئيسي في السويداء ومناطق جنوبية أخرى، أكدوا مرارًا وتكرارًا ولاءهم للوطن السوري، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتهم خلال العقود الماضية. وفي هذا السياق، يعتبر موقفهم الرافض لتصريحات نتنياهو رسالة واضحة بأنهم لن يكونوا طرفًا في أي مخططات تهدف إلى تقسيم سوريا أو تفتيت وحدتها الوطنية.
من جهته، قال الأكاديمي فايز قنطار، في حديثه لمنصة سوريا 24: “الطائفة الدرزية، التي تعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 60 عامًا، ترفض بشكل قاطع الهوية الإسرائيلية ووجود الاحتلال على أراضي الجولان، فالدروز يحيون اليوم ذكرى انتفاضتهم الشهيرة ضد فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم”، مؤكدًا أنهم لم يطلبوا الحماية لا من إسرائيل ولا من أي جهة أخرى.
وأضاف: “محافظة السويداء، المعقل الرئيسي للطائفة الدرزية، هي جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري، وتستمد قوتها من أبنائها وموقعها الجغرافي ضمن الوطن العربي والإسلامي”، مشيرًا إلى أن السويداء لم تكن يومًا بحاجة لحماية أحد، فهي حامية نفسها وهي جزء من دمشق، العاصمة الأبدية لسوريا.
وشدد على أن “السويداء ترفض تصريحات نتنياهو وتحمله المسؤولية عن العدوان المستمر على سوريا وانتهاك سيادة البلاد”، محملًا الكيان الإسرائيلي وأمريكا والغرب مسؤولية دعم هذا الاحتلال وإطالة أمده، حسب تعبيره.
وأشاد قنطار بموقف السويداء الوطني، مؤكدًا أنها تدين هذه التصريحات بأقوى العبارات، ولا يمكن لأي أحد أن يكون وصيًا عليها أو على أي جزء من سوريا.
ووافقه الرأي الكاتب السياسي جمال الشوفي، الذي قال في حديثه لمنصة سوريا 24: “لا يحق لأي دولة، أيا كانت، التدخل في الشأن السوري الداخلي، فموضوع بناء الدولة والجنوب السوري، وموضوع شكل علاقتنا في سوريا الداخلية، هو شأن محلي نحن كسوريين أدرى به، وكفانا ما تعرضنا له من تدخلات خارجية متعددة الأطراف، وأهمها الإيرانية والروسية في الفترات السابقة. وبالتالي، هذا التصريح من نتنياهو يعتبر تدخلًا غير مقبول وغير مسموح به في المبدأ”.
وأضاف: “الدروز، ومنذ أكثر من 100 عام وما قبل، هم وطنيون سوريون، ويؤكدون قولًا وفعلًا ووجدانًا وحضورًا أن سوريا دولة لكل السوريين، عاصمتها دمشق، ولا يحتاج أبناء الطائفة الدرزية لأي شكل من أشكال الحماية، بل تكون حمايتهم في قواهم الذاتية وتمسكهم بالوحدة الوطنية”.
تصريحات نتنياهو لم تقتصر فقط على الحديث عن حماية الدروز، بل امتدت لتشمل مطالب بإخلاء كامل للقوات العسكرية التابعة للنظام الجديد من جنوبي سوريا، كما أكد أن إسرائيل لن تتسامح مع استخدام الأراضي السورية كمنصة لمهاجمتها.
هذه المواقف ليست جديدة على السياسة الإسرائيلية، حيث تسعى تل أبيب منذ عقود إلى تعزيز نفوذها في المنطقة الجنوبية من سوريا، وخاصة في هضبة الجولان التي تحتلها منذ عام 1967.
وفي هذا الجانب، قال المحلل الاستراتيجي العقيد إسماعيل أيوب، المنحدر من درعا، في حديثه لمنصة سوريا 24: “نرفض هذه المطالب الإسرائيلية بنزع السلاح من جنوب سوريا، فإسرائيل لا تملك الحق في فرض شروطها على المنطقة”.
وانتقد أيوب السياسات الإسرائيلية العدوانية، داعيًا إلى حل النزاعات بالطرق الدبلوماسية، ومحذرًا من أن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية قد يؤدي إلى تشكيل مقاومة شعبية في الجنوب، سواء بإشراف الدولة أو بدونه.
ورفض أيوب أي محاولات لتصنيف الطائفة الدرزية في سوريا كطرف تابع لإسرائيل، مؤكدًا أن الدروز جزء أصيل من النسيج الاجتماعي السوري.
ودعا أيوب الدول الصديقة لسوريا إلى التحرك كوسيط لبناء تفاهم بين سوريا وإسرائيل، مشيرًا إلى ضرورة أن تتوقف إسرائيل عن تصدير أزماتها الداخلية إلى دول الجوار.
وفي ظل التحولات السياسية والعسكرية الجارية في سوريا، يبدو أن إسرائيل تحاول استغلال الفراغ السياسي الناتج عن انهيار نظام الأسد السابق لتعزيز وجودها العسكري والسياسي في المنطقة، فالغارات الجوية الإسرائيلية المتكررة على مواقع عسكرية سورية، بالإضافة إلى توسيع السيطرة على مساحات واسعة من المنطقة العازلة مع سوريا، وتحديدًا في منطقة القنيطرة، تشير إلى استراتيجية واضحة تهدف إلى ضمان أمن إسرائيل القومي.
وقال الناشط نور الجولاني، من أبناء القنيطرة، في حديثه لمنصة سوريا 24: “تصريحات نتنياهو ليست أكثر من مجرد كلمات، إذ إن إسرائيل قد ثبّتت قواعدها في المنطقة العازلة، ولا أعتقد أنها تنوي التقدم أكثر داخل الأراضي السورية، كما أن إسرائيل تعمل على مغازلة الطائفة الدرزية، خاصة وأن هناك عددًا كبيرًا من الدروز يخدمون ضمن الجيش الإسرائيلي، وبالتالي يبدو أن تصريحات نتنياهو تهدف إلى طمأنة جنوده بأنهم قادرون على حماية الدروز في سوريا”.
وتابع: “ومع ذلك، لا أعتقد أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سيدعم نتنياهو في خوض حرب جديدة في سوريا، رغم أنه كان قد دعمه وأيّده في تثبيت الوجود العسكري الإسرائيلي في الأراضي السورية”.
ووسط كل ذلك، تواجه هذه السياسات الإسرائيلية رفضًا شعبيًا واسعًا داخل سوريا، حيث يرى السوريون أن أي تدخل خارجي في شؤونهم الداخلية هو انتهاك صارخ لسيادة بلادهم، كما أن تصريحات نتنياهو بشأن حماية الطائفة الدرزية قد تؤدي إلى تفاقم التوترات الطائفية، بدلًا من تحقيق الاستقرار الذي تدّعي إسرائيل أنها تسعى إليه.