أثار البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي انعقد في دمشق، ردود فعل متباينة بين مختلف الأطراف السورية والإقليمية. ففي حين رحبت السعودية وقطر والكويت ورئاسة مجلس التعاون الخليجي بنتائجه، معتبرتين أنه خطوة إيجابية نحو تحقيق الاستقرار في سوريا، ولاقت نتائج المؤتمر ترحيباً من عدة أطراف سورية، أعلنت قسد أنها غير معنية به ولا بنتائجه.
مخرجات المؤتمر
أكد البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري على وحدة الجمهورية العربية السورية وسيادتها الكاملة على أراضيها، مع رفض أي شكل من أشكال التقسيم أو التنازل عن أي جزء من الوطن.
وشدد المشاركون في المؤتمر، الذي عقد اليوم في دمشق، على ضرورة الإسراع بإقرار إعلان دستوري مؤقت يواكب المرحلة الانتقالية، إضافة إلى تشكيل مجلس تشريعي مؤقت لضمان استمرارية العمل التشريعي وفق معايير الكفاءة والتمثيل العادل.
وركز البيان على أهمية تحقيق العدالة الانتقالية من خلال محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، وإصلاح المنظومة القضائية لضمان سيادة القانون. كما أكد على تعزيز الحريات العامة، وضمان حرية الرأي والتعبير، واحترام حقوق الإنسان، مع دعم دور المرأة، ورعاية الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وتفعيل دور الشباب في المجتمع.
ودعا المؤتمر إلى إطلاق عجلة التنمية الاقتصادية عبر تبني سياسات تحفيزية، وتشجيع الاستثمار، وتطوير قطاعات الزراعة والصناعة، إلى جانب رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، لما لها من تأثير مباشر على الشعب السوري وإعادة الإعمار.
كما شدد البيان على إصلاح المؤسسات العامة، وتعزيز التحول الرقمي، وتفعيل دور المجتمع المدني في دعم جهود إعادة الإعمار وتحقيق التنمية والاستقرار. كذلك، أكد على تطوير النظام التعليمي، وربطه بالتكنولوجيا لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
ترحيب خليجي بالمخرجات
أشادت كل من وزارة الخارجية السعودية والقطرية والكويتية ورئيس مجلس التعاون الخليجي بنتائج المؤتمر، وأكدتا دعمهما لأي جهود تهدف إلى تحقيق تسوية سياسية شاملة في سوريا وفق قرارات الأمم المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وإقرار إعلان دستوري ينظم المرحلة الانتقالية.
قسد: لسنا معنيين بالمؤتمر
على الجانب الآخر، رفضت قسد الاعتراف بمخرجات المؤتمر، مؤكدة في بيان رسمي أصدرته قبل إعلان البيان الختامي أنها غير معنية بما تم التوصل إليه، معتبرة أن المؤتمر لا يمثل الشعب السوري، وطالبت بعقد “حوار وطني حقيقي لا يقصي أحدًا ولا يهمش أحدًا”، مضيفة أنها تتحفظ على المؤتمر شملاً ومضموناً.
وكانت وسائل إعلام نقلت عن المتحدث باسم اللجنة التحضيرية للمؤتمر حسن الدغيم قوله إنه لم تتم دعوة قسد لأن الحوار مجتمعي، وليس مع تنظيمات عسكرية.
نتائج المؤتمر تبعث على الأمل
رأى فاروق بلال، رئيس المجلس السوري الأمريكي، في حديث لموقع سوريا ٢٤ أن مخرجات المؤتمر جاءت كما كان متوقعًا، حيث ركزت على القضايا الجوهرية التي تهم الشعب السوري، مثل وحدة الأراضي، العدالة الانتقالية، وتشكيل مجلس تشريعي مؤقت.
وقال بلال: “البيان الختامي يمثل عقدًا اجتماعيًا بين السوريين، وقد توافق الحاضرون على 18 بندًا أساسيًا سيتم متابعتها عبر ورش عمل متخصصة لضمان الوصول إلى صيغة نهائية للدستور، وتحقيق العدالة الانتقالية.”، وأضاف أن النتائج تبعث على الأمل والتفاؤل، كونها تتماشى مع تطلعات السوريين في بناء مستقبل مستقر وعادل.
مرحلة حرجة تتطلب التزامًا بالتنفيذ
أما الباحث في شؤون الشرق الأوسط، سعد الشارع، فقد أكدّ أن المؤتمر جاء في مرحلة حساسة عقب الانتصارات التي حققها الشعب السوري، مشددًا على أن إعادة بناء الدولة تتطلب معالجة قضايا رئيسية مثل الدستور، الحريات السياسية، والتحديات الاقتصادية.
وقال الشارع في حديث لموقع سوريا ٢٤: “هذه الحوارات كانت غائبة عن المشهد السوري لفترات طويلة، وكان معظمها يتمحور حول توجهات النظام، لكن المؤتمر الحالي يعكس تحولًا في طبيعة النقاشات نحو قضايا تمسّ جميع السوريين.”
وشدد الشارع على أن نجاح المؤتمر مرهون بتنفيذ مخرجاته على أرض الواقع، مؤكدًا أن التحدي الأكبر يتمثل في تحويل هذه التوصيات إلى خطوات عملية تسهم في بناء سوريا جديدة قائمة على العدالة والتنمية.
الحوار يجب أن يكون بين مختلفين وليس متوافقين
في المقابل، أبدى المعارض السوري سمير نشار في حديث مع سوريا ٢٤ تخوفه من أن نتائج المؤتمر قد لا تعكس تطلعات جميع السوريين، قائلًا: “الحوار يكون بين مختلفين، وليس بين متوافقين من لون واحد. ربما تلبي النتائج طموحات طرف واحد فقط، لكنها لا تمثل بالضرورة رؤية جميع السوريين.”
كما أكد نشار على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية لضمان تنفيذ مخرجات المؤتمر، معتبرًا أن عدم اتخاذ هذه الخطوة قد يضعف تأثير مخرجات الحوار على المرحلة المقبلة.
مخرجات المؤتمر تعكس مطالب أغلبية السوريين
لكن المحلل السياسي منار رشواني يرى في تصريح لسوريا ٢٤ أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري تعبر عن مطالب أغلبية الشعب السوري، وإن كان هناك بعض المكونات التي قد تتحفظ على التوقيت أو مستوى التمثيل، لا سيما فيما يتعلق بشمال شرق سوريا.
وأكد رشواني أن مخرجات المؤتمر ليست خلافية، حيث تناولت قضايا جوهرية تمس المرحلة الانتقالية وما بعدها، مشيرًا إلى أن وضوح اللغة في البيان الختامي، وخاصة فيما يتعلق بوحدة وسيادة الأراضي السورية، كان أحد أبرز نقاط القوة، حيث جاء كرسالة واضحة ضد أي محاولات داخلية أو خارجية لتقسيم البلاد.
وأضاف أن المؤتمر ركز على الإعلان الدستوري، تشكيل لجنة لصياغة الدستور، وإنشاء مجلس تشريعي مؤقت، وهي خطوات ضرورية لسد الفراغ السياسي والتشريعي في ظل المرحلة الحالية. كما أشار إلى أهمية تشكيل حكومة انتقالية لضمان استقرار الأوضاع، رغم بعض الاعتراضات حول عدم تناول قضايا مثل الأحزاب السياسية بشكل واضح.
واعتبر رشواني أن التنمية السياسية لا تقتصر على الأحزاب فقط، بل تشمل أيضًا تفعيل دور المجتمع المدني كمشارك رئيسي في ترسيخ الديمقراطية والحرية، وهو ما أكد عليه المؤتمر كقيم عليا يجب غرسها في الأجيال القادمة.
رغم الإشادة الواسعة من عدة أطراف بمخرجات المؤتمر، لا تزال بعض الجهات السورية ترى أن الحوار لم يكتمل وبحاجة فتح مزيد من النقاشات، مع تساؤلات حول مدى إمكانية تطبيق هذه المخرجات على أرض الواقع، وانعكاسها على مستقبل البلاد.