في ظل الدمار الهائل الذي خلفته سنوات الحرب الطويلة، تعود الحياة تدريجيًا إلى مدينة داريا بريف دمشق، حيث يحاول أهلها استعادة نبض المدينة رغم التحديات الجسيمة.
ومع قدوم شهر رمضان المبارك، تبرز معاناة السكان بشكل واضح في ظل غياب الخدمات الأساسية، وضعف القدرة الشرائية، وصعوبة توفير الاحتياجات اليومية.
عودة تدريجية للأهالي
بعد سقوط نظام الأسد السابق، بدأت العائلات بالعودة تدريجيًا إلى داريا، إلا أن المدينة تعاني من دمار هائل في بنيتها التحتية، حيث لا تزال آثار القصف والحرائق واضحة على معظم المنازل والمرافق العامة.
ووفق ما ذكر عامر خشيني، أحد أعضاء الإدارة المدنية في داريا في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، فإن عدد السكان الحالي يصل إلى حوالي 125 ألف نسمة، مقارنة بـ325 ألف نسمة قبل الثورة. وأوضح أن معظم العائدين يواجهون صعوبات جمة في إعادة إعمار منازلهم، حيث يعتمدون على جهودهم الذاتية أو المساعدات المحدودة التي تقدمها الجمعيات الخيرية.
من جانبه، أكد إبراهيم معضماني من المركز الإعلامي لمدينة داريا في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، أن العودة ليست كاملة بسبب الدمار الكبير وعدم توفر الخدمات الأساسية، مشيراً إلى أن العديد من العائلات ما زالت تتردد في العودة بسبب عدم وجود ضمانات كافية لتأمين احتياجاتهم اليومية.
تحديات الكهرباء والمياه والاتصالات
أحد أبرز التحديات التي تواجه المدينة هو النقص الحاد في الكهرباء، ووفقًا لخشيني، تصل الكهرباء إلى داريا لمدة ساعة أو ساعتين فقط خلال اليوم، مما يدفع السكان إلى الاعتماد على المولدات الكهربائية (الأمبيرات) والطاقة الشمسية، ومع ذلك، فإن ارتفاع تكاليف هذه الحلول البديلة يشكل عبئًا إضافيًا على الأهالي الذين يعانون أصلاً من ضائقة مالية.
أما المياه، فقد تمكنت الإدارة المحلية من إعادة تشغيل عدة آبار لتوفير المياه لجزء من المدينة، إلا أن غالبية السكان لا تزال تعتمد على الصهاريج أو حفر الآبار الخاصة، مما يزيد من معاناتهم في ظل ارتفاع تكلفة شراء المياه، وأوضح خشيني أن شبكة المياه تحتاج إلى تأهيل شامل يتطلب تمويلًا كبيرًا وجهودًا مستدامة.
وفيما يتعلق بالاتصالات والإنترنت، أكد خشيني أن المدينة تعاني من ضعف شديد في شبكة الاتصالات والإنترنت (4G)، حيث يعمل فقط برجان من أصل ثمانية، مما يجعل التواصل داخل المدينة وخارجها صعبًا للغاية، ويؤثر سلبًا على الأعمال اليومية والحاجات الشخصية.
تأخر تقديم الرعاية الطبية
ولا توجد في داريا أي مستشفى، باستثناء مستوصف للعيادات الطبية، وهو ما يشكل تحديًا كبيرًا في تأمين الرعاية الصحية للسكان، وبحسب خشيني، يضطر المرضى للسفر إلى المناطق المجاورة للحصول على العلاج اللازم، مما يزيد من معاناتهم ويؤخر تقديم الرعاية الطبية اللازمة، ورغم الجهود لإعادة تشغيل المستوصف بكامل طاقته قريبًا، لكن هذا لن يكون كافيًا لتلبية احتياجات السكان.
أما التعليم، فقد تمكنت المدينة من إعادة تشغيل 16 مدرسة من أصل 26، لكنها تفتقر إلى أدنى المقومات اللازمة لسير العملية التعليمية، وأشار معضماني إلى أن المدارس تعاني من نقص في الكادر التعليمي والمواد الدراسية، مما يعرقل العملية التعليمية بشكل كبير.
من الناحية الاقتصادية، يواجه الأهالي صعوبات جمة بسبب تدمير معظم المنشآت التجارية والصناعية، حيث يعتمد الكثيرون على المساعدات الإنسانية وعلى الدعم المادي الذي يقدمه أقاربهم في الخارج، وبيّن خشيني أن الجمعية الخيرية في داريا تقوم بتقديم بعض المساعدات للأسر الأكثر حاجة، لكن هذه الجهود تبقى غير كافية لتلبية احتياجات الجميع.
حركة تجارية محدودة في رمضان
ورغم انخفاض الأسعار بعد سقوط نظام الأسد السابق، فإن معظم السكان لا يستطيعون شراء حاجاتهم بسبب قلة السيولة المالية وانتشار البطالة. وأكد معضماني أن القدرة الشرائية للسكان معدومة تقريبًا، مما يجعل حتى الأسعار المتوسطة غير مقبولة بالنسبة للكثيرين.
مع قدوم شهر رمضان، تشهد أسواق داريا حركة تجارية محدودة، حيث يعاني السكان من ضعف القدرة الشرائية بسبب البطالة وقلة السيولة المالية. ومن أمثلة الأسعار:
– كيلوغرام اللحمة الهبرة: 170 ألف ليرة سورية.
– كيلوغرام البطاطا: 2500 ليرة.
– كيلوغرام البندورة: 8000 ليرة.
– كيلوغرام الموز: 9500 ليرة.
– كيلوغرام التفاح: 2500 ليرة.
– كيلوغرام البرتقال: 5000 ليرة.
وشدد عامر خشيني على أن الأهالي يبذلون جهودًا جبارة لإعادة بناء مدينتهم، لكنهم يحتاجون إلى دعم حقيقي وفعلي من المنظمات الإنسانية والجهات المعنية، فيما أشار إلى أن داريا تحتاج إلى تحسين البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والمياه والاتصالات وإنشاء مستشفى ودعم التعليم وتوفير فرص عمل للسكان.
مدينة داريا اليوم ليست سوى ظل لما كانت عليه قبل الحرب، لكنها تظل رمزًا للصمود والإصرار، ورغم كل التحديات، يواصل أهلها العمل بجد لإعادة بناء حياتهم وتحسين ظروفهم المعيشية.