شهدت المنطقة الشرقية في سوريا تحولات كبيرة بعد سقوط نظام الأسد، حيث تراجع النفوذ الإيراني الذي كان يهيمن عبر ميليشيات متعددة أعلنت ولاءها لطهران خلال عهد النظام السابق.
ومع تغير المشهد السياسي والعسكري، التحقت بعض عناصر هذه الميليشيات بقوات الأمن الجديدة، مستفيدين من الغطاء العشائري وضعف الأجهزة الأمنية في الدولة الناشئة، التي لا تزال تحاول النهوض بالملفين العسكري والأمني.
الانسحاب الإيراني من دير الزور
تم الانسحاب الإيراني من دير الزور في 5 و6 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وشمل خروج الميليشيات العسكرية والعناصر العقائدية التي كانت تمثل الامتداد الإيراني في المنطقة.
ومع هذا الانسحاب، برزت شخصيات كانت محسوبة على النفوذ الإيراني، حيث انضمت بعض العناصر إلى قوات “عمليات ردع العدوان”، بينما التحق آخرون بـ “قوات الفجر – الحرية”.
وبحسب الصحفي والباحث السابق في مركز عمران بشار حسان، فإنّ “هذه الفصائل لم تستمر طويلًا، وتم تفكيكها بعد تحرير دير الزور بالكامل والسيطرة على خط الشامية غرب الفرات، مما أدى إلى إنهاء معظم التشكيلات المرتبطة بإيران دون اعتقالات مباشرة أو محاكمات للشخصيات المتورطة في الانتهاكات ضد أبناء المنطقة، خصوصًا في مدينة الميادين”.
مصير الشخصيات المرتبطة بالنفوذ الإيراني
رغم الانسحاب الإيراني، بقيت بعض الشخصيات النافذة في المشهد الأمني، مستفيدة من التوازنات العشائرية والمناطقية التي تحول دون محاسبتها في الوقت الحالي، إلى حين قدوم دولة قوية قادرة على فرض القانون بشكل كامل.
ومن بين هؤلاء، برز أبو عيسى المشهداني (يوسف الحمدان)، الذي عُرف بتبدل ولاءاته بين مختلف القوى المسيطرة على المنطقة.
بدأ المشهداني مسيرته ضمن صفوف الجيش الحر في لواء “الله أكبر” بقيادة صدام الجمل، الذي بايع لاحقًا تنظيم داعش. وبعد انهيار التنظيم، انضم إلى الحرس الثوري الإيراني ليصبح الذراع اليمنى لـ”الحاج عسكر”، المسؤول الإيراني في دير الزور.
ومع انسحاب إيران، فرَّ المشهداني إلى العراق، قبل أن يعود إلى الميادين في 22 ديسمبر 2024 بعد تسوية مع الجهات المسيطرة، لكنه اعتُقل لساعات قبل مقتله بيوم واحد، ليُعثر لاحقًا على جثته مقطوعة الرأس في مناطق البوكمال.
كان لمقتله أثر كبير على أقاربه وعلى الميليشيات الإيرانية، نظرًا لاقتصاله الوثيق بعائلة “حسين العلي” من قبيلة الجغايفة، التي لعبت دورًا مؤثرًا في المنطقة.
بقاء النفوذ الإيراني بشكل غير مباشر
رغم الانسحاب الرسمي، إلا أن حسان يتوقع أن “النفوذ الإيراني ما يزال قائمًا عبر شخصيات أخرى مثل محمود الفريج المشهداني الملقب بـ(دحلوس) وحنوش الفريج، اللذين اختفيا عن الأنظار”.
وأشار إلى أنه من الممكن أن “يكون لهما دور مستقبلي في ظل بقاء الميليشيات الإيرانية على مقربة من المنطقة، حيث تتمركز على بعد 25 كيلومترًا فقط في مناطق حصيبة والقائم والمنطقة الصناعية في القائم قرب البوكمال”.
ويرى حسان أن المسافة الجغرافية القريبة قد تسمح باستمرار العمليات الأمنية التي تستهدف المنطقة، وسط مخاوف من تجدد الاضطرابات.
الوضع العشائري وتأثيره على الاستقرار
تتميز مدينة البوكمال بغالبية عشائرية تنتمي إلى قبيلة العكيدات، التي تضم أفخاذ الحسون، الدميم، والبو مريح، إضافة إلى المشاهدة، الجغايفة، والبوقعان من قبيلة البو حردان.
ورغم وجود حساسيات عشائرية في مناطق أخرى مثل الميادين، فإن البوكمال تُعرف بكونها منطقة تعايش سلمي ولم تشهد اشتباكات عشائرية تاريخية.
ومع ذلك، لا تزال بعض التوترات قائمة، كما حدث في سبتمبر الماضي عندما اندلع اشتباك بين “الفوج 47” وقبيلة الحسون، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، دون أن يتحول الأمر إلى حرب عشائرية شاملة.
روايات من داخل الميليشيات
كشف أحد المتطوعين السابقين في الميليشيات الإيرانية، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لمراسل منصة سوريا 24 عن طبيعة تجنيد الشباب من خلال المراكز الثقافية الإيرانية خلال الفترة السابقة.
وأوضح أنه شارك في دورة تدريبية في الحاسوب ضمت حوالي 30 شابًا من المدينة، حيث كان “الحاج رسول” يقدم دروسًا دينية قصيرة حول الفقه الشيعي كل ثلاثة أيام.
بعد انتهاء الدورة، طُرح عليهم خيار التطوع مقابل راتب شهري قدره مليونا ليرة سورية، مع وعود بمنحهم صلاحيات واسعة.
وأضاف المتطوع أن الأجواء داخل الميليشيات كانت تسودها الفوضى وانتشار المخدرات، خصوصًا حبوب الكبتاغون، التي كانت تُوزع على المتطوعين خلال الحملات العسكرية في البادية، ما يعكس مدى استغلال إيران لعناصرها عبر الإغراءات المالية والمخدرات لتعزيز سيطرتها.
رغم انسحاب القوات الإيرانية رسميًا، لا يزال تأثيرها قائمًا في المنطقة الشرقية، من خلال شخصيات وعناصر محلية لها ارتباطات سابقة بالميليشيات، ومع استمرار الوجود الإيراني على مقربة من الحدود السورية العراقية، تبقى احتمالات التصعيد الأمني قائمة، ما يعكس تعقيد المشهد في دير الزور والبوكمال، حيث تتداخل العوامل العشائرية والجيوسياسية في رسم مستقبل المنطقة.
صور خاصة لمراسل سوريا ٢٤ من داخل المقرات التي اخلها المليشيات الايرانية في دير الزور