قبل دقائق قليلة من أذان المغرب، تحرص هيام محمد، المقيمة في ريف دمشق، على إرسال طبق من طعام إفطارها إلى جيرانها، في عادة قديمة حافظت عليها طوال سنوات رمضان. غير أن تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية أثّر مباشرةً على تحضير وجبة الإفطار، وألقى بظلاله على عادة السكبة بين الأهل والجيران.
تقول هيام لمنصة سوريا 24: “نجود بالموجود، ولو كان طبقًا من الخضار أو صحن أرز، المهم أن أرسل يوميًا طبقًا من الطعام إلى جيراننا. إنها عادة قديمة تحمل في طياتها المحبة والألفة، وتجسد روح الشهر الفضيل”.
رغم شح الموارد وصعوبة تأمين الطعام في ظل الغلاء، لا تزال هيام متمسكة بهذه العادة الرمضانية التي تجمع الناس وتعزز أواصر المودة بينهم. وبرغم التحديات، ترى في إرسال الطعام لجيرانها رسالة تضامن اجتماعي تعكس تمسكها بالقيم التي نشأت عليها، رغم الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد.
تأثير الأوضاع الاقتصادية على عادة السكبة بين الجيران
طرأت تغييرات كثيرة على طقوس وعادات رمضان، ومنها عادة السكبة، التي تُعدّ من التقاليد السورية القديمة التي تجسد روح التكافل الاجتماعي خلال الشهر الكريم. كان الجيران وأهل الحي يتبادلون أطباق الإفطار، وتمتلئ الموائد بأطايب الطعام، حيث يحرص كل بيت على تقديم أشهى ما لديه من اللحوم، المحاشي، والحلويات التقليدية.
إلا أن التدهور الاقتصادي في السنوات الأخيرة فرض تغييرات كبيرة على هذه العادة، فأصبحت السكبة الرمضانية أكثر ندرة، ولم تعد تضم الأطباق الفاخرة التي كانت تميزها، بل باتت تقتصر في كثير من الأحيان على أصناف بسيطة من الطعام، مثل الأرز، الحساء، أو الخبز. كما لم يعد بإمكان العديد من العائلات مشاركة وجباتها كما في السابق، وأصبحت السكبة موجهة فقط إلى الأكثر احتياجًا، كالعائلات التي تعاني من الفقر الشديد أو فقدان المعيل.
تقول أم علاء، ربة منزل تقيم في أحد التجمعات السكنية بريف إدلب الشمالي، لمنصة سوريا 24: “لم يعد بمقدور الكثير منا إعداد وجبات كبيرة أو التبرع كما كنا نفعل سابقًا، لكننا نحاول أن نرسل لجيراننا ولو طبقًا بسيطًا من الطعام، وهم يفعلون الشيء نفسه معنا. بهذه الطريقة نشعر أننا ما زلنا نحافظ على أجواء رمضان رغم كل الصعوبات”.
تراجع المبادرات الخيرية في ظل الغلاء
مع تصاعد الأزمات الاقتصادية وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق، تقلصت عادة السكبة الرمضانية في العديد من المناطق، وأصبح تأمين وجبة الطعام لكثير من العائلات أحد أبرز التحديات.
في السنوات الماضية، ظهرت مبادرات مجتمعية تهدف إلى تأمين وجبة إفطار للصائمين، مما ساعد العائلات الأكثر فقرًا في الشمال السوري. إلا أن أبو سعيد الحموي، المقيم في مخيم كفر لوسين شمال إدلب، أكد لمنصة سوريا 24 أن العائلات في المخيم لم تتلقَّ هذا العام أي وجبة طعام أو سلة غذائية كما كان يحدث في السابق، وهو ما كان يسهم بشكل كبير في دعم الأسر المحتاجة.
يضيف أبو سعيد: “إعداد أقل وجبة طعام يحتاج إلى قرابة 300 ليرة تركية، في ظل الغلاء، البطالة، وقلة فرص العمل. للأسف، تقلصت العديد من طقوس رمضان وعاداته، مثل العزائم الجماعية والسكبة بين الجيران، بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وهذا ما يحزنني كثيرًا”.
محمد زيدان، عضو في فريق خيري تطوعي بالشمال السوري، تحدث عن تأثير الغلاء على المبادرات الخيرية هذا العام، قائلًا: “الأوضاع الاقتصادية أثرت بشكل كبير على قدرتنا في تأمين الوجبات الغذائية للمحتاجين. كنا في السنوات الماضية قادرين على تنظيم موائد إفطار جماعية وتوزيع سلال غذائية، ولكن هذا العام، مع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الأساسية، أصبح تأمين نفس الكمية أمرًا في غاية الصعوبة”.
وأضاف زيدان: “نواجه تحديات تتعلق بتأمين الموارد المالية اللازمة، فضلًا عن قلة التبرعات نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المجتمع المحلي. رغم ذلك، نحاول جاهدين مواصلة العمل، لكن على نطاق أصغر، حيث نقوم بتوزيع الوجبات على العائلات الأكثر احتياجًا بمعدل أقل مما كان في السابق”.
وأشار إلى أن “روح العطاء لا تزال موجودة، لكننا بحاجة إلى دعم أكبر لمواصلة تنفيذ هذه المبادرات، التي تخفف من معاناة الأهالي في الشمال السوري”.
لطالما كانت السكبة الرمضانية طقسًا شعبيًا موروثًا في سوريا، لكنها اليوم تواجه تحديات كبيرة بسبب الظروف الاقتصادية القاسية. ورغم تراجع انتشارها، فإن روح التكافل الاجتماعي ما تزال حية بجهود فردية ومجتمعية، سعيًا للحفاظ على هذا التقليد ولو في حدوده الدنيا.