يدخل أهالي مدينة القامشلي يومهم العاشر دون مياه صالحة للشرب، وسط غياب أي حلول جذرية من قبل الجهات المسؤولة، ومع استمرار الأزمة، يضطر السكان إلى شراء المياه من الصهاريج الخاصة بأسعار باهظة، مما يزيد من الأعباء المالية عليهم في ظل أوضاع اقتصادية متردية، حيث تترافق أزمة المياه مع تأخر رواتب الموظفين وارتفاع الأسعار الجنوني الذي تشهده المنطقة.
“العطش ينهكنا”.. شهادات من الأهالي
أبو محمد (52 عاماً)، أحد سكان حي الكورنيش، يقول لموقع سوريا 24: “لم نشهد أزمة مماثلة منذ سنوات، حتى في أصعب الظروف كانت المياه تصل ولو بشكل متقطع، لكن اليوم نعتمد فقط على الصهاريج التي تبيع المياه بأسعار لا يستطيع معظمنا تحملها، عائلتي مكونة من ستة أفراد، وشراء المياه أصبح يشكل عبئاً كبيراً علينا في ظل ارتفاع أسعار كل شيء من المواد الغذائية إلى الوقود”.
أما أم خالد، وهي أم لثلاثة أطفال من حي الهلالية، فتوضح أن الوضع أصبح لا يُحتمل:
“نضطر لتقنين استخدام المياه إلى الحد الأدنى، أحياناً لا نستطيع غسل الملابس أو حتى الاستحمام بشكل طبيعي، وكل ذلك بسبب الإهمال وسوء الإدارة، الأطفال يعانون من الأمراض الجلدية بسبب قلة المياه، ولا أحد يكترث لمأساتنا”.
أسباب الانقطاع.. أعطال وتقصير إداري
وفقاً لمصادر محلية، فإن السبب الرئيسي لانقطاع المياه هو تضرر أحد أبراج التوتر العالي الذي يربط القامشلي بسد الفرات، مما أثر على محطات الضخ، وخصوصاً محطة الهلالية التي تغذي نحو 75% من المدينة، ومع عدم إصلاح العطل حتى الآن، تستمر معاناة الأهالي.
وتشير المصادر أيضاً إلى أن معظم محطات الضخ باتت تعتمد على المولدات العاملة بالمحروقات، لكن لجنة المحروقات التابعة لـ”الإدارة الذاتية” ترفض تزويدها بالكميات الكافية، بحجة وجود أزمة محروقات في المنطقة.
ويؤكد مراسل سوريا 24 أن القامشلي تعاني أيضاً من شح شديد في المياه الجوفية، نتيجة انخفاض معدل الهطولات المطرية هذا العام، بالإضافة إلى غياب الصيانة الدورية لمحطات المياه وشبكات الصرف الصحي، مما أدى إلى تسرب المياه الملوثة إلى الآبار الأرتوازية والخزانات الجوفية.
يقول المواطن أبو يوسف، في حديث خاص مع سوريا 24: إن “المياه التي نحصل عليها عبر الصهاريج ليست دائماً نظيفة، وأحياناً تكون ملوثة، مما يعرض الأطفال وكبار السن للأمراض، لا توجد أي رقابة على جودة المياه التي يتم بيعها، والأهالي مجبرون على شرائها بأي حال”.
رغم مناشدات الأهالي المستمرة لإيجاد حل سريع للأزمة، لم تتخذ الجهات الخدمية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية أي خطوات فعلية لإصلاح العطل أو توفير بدائل عملية.
ويتهم السكان المسؤولين بالتقاعس عن أداء واجبهم، فيما يتساءل كثيرون عن مصير الأموال التي يتم جبايتها مقابل الخدمات، والتي لا تنعكس بأي شكل على تحسين الوضع الخدمي.
يقول أحد المواطنين بغضب: “ندفع فواتير المياه رغم أنها مقطوعة، ندفع ثمن المحروقات رغم عدم توفرها، ندفع الضرائب ولا نرى أي خدمات بالمقابل.. إلى متى سيستمر هذا الإهمال؟”.
وفي ظل استمرار الأزمة دون حلول تلوح في الأفق، تبقى حياة الآلاف في القامشلي تحت رحمة العطش والمجهول، وسط تساؤلات حول مدى قدرة الجهات المسؤولة على التعامل مع هذه الكارثة الإنسانية قبل تفاقمها أكثر.