في مشاهدات جديدة تنقل واقع الحياة اليومية في العاصمة السورية دمشق مع قدوم شهر رمضان، يبرز ضعف مظاهر الاحتفال التقليدية التي اعتاد عليها السوريون، وسط غياب واضح للبهجة والزينة التي كانت تملأ شوارع المدينة.
ويعكس المشهد العام واقعا مريراً يتمحور حول الضائقة الاقتصادية وغلاء الأسعار وغياب الخدمات الأساسية، مما ألقى بظلاله على حياة السكان وأجواء الشهر الكريم.
ضعف مظاهر الاحتفال
إبراهيم الهايل، أحد المتواجدين في دمشق، نقل في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، تفاصيل الحياة اليومية: “مظاهر الاحتفال بقدوم رمضان تكاد تكون غائبة هذا العام، باستثناء بعض الملصقات البسيطة على أبواب المحال التجارية كعبارة رمضان كريم، وبعض الأناشيد الدينية التي تصدح بصوت مرتفع في عدد قليل من المحلات لجذب الزبائن، ومع ذلك، فإن هذه المحاولات لا تكفي لإخفاء حالة الكآبة التي تخيم على الشوارع”.
غلاء الأسعار ووجبات الخضار
حركة الأسواق في دمشق لا تزال جيدة نسبياً، لكن الغلاء الفاحش للأسعار يمنع الكثير من العائلات من شراء اللحوم والفروج، ليصبح الخضار هو الطبق الرئيسي على موائد الإفطار.
أما الحلويات الشعبية مثل المعروك والناعم، فتظل الخيار المتاح لمعظم الناس بسبب أسعارها المناسبة نسبياً، بينما تبقى أصناف الحلويات الأخرى بعيدة المنال، حيث تتراوح أسعارها بين 30 ألف و100 ألف ليرة سورية.
الراتب لا يكفي والتدبير من الخارج
الوضع الاقتصادي الصعب يفرض نفسه بقوة، حيث يشير الهايل إلى أن من يعمل يحصل على راتب يتراوح بين 300 ألف و500 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل حوالي 55 دولاراً فقط بسعر الصرف الحالي: “ومع ذلك، فإن هذه الرواتب لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية، مما يدفع العائلات للبحث عن مصادر دخل إضافية أو الاعتماد على تحويلات من الخارج، وفق الهايل.
الأمن والحذر
الأوضاع الأمنية في دمشق ليست مستقرة تماماً، خاصة مع حلول الليل، فالحذر يسود الأحياء التي لا تشهد حركة كبيرة من الناس، فيما تبقى الشوارع الرئيسية آمنة نسبياً، ومع ذلك، فإن انقطاع الكهرباء لساعات طويلة يجعل الشوارع مظلمة، مما يزيد من حالة القلق والخوف لدى السكان.
ازدحام وفوضى
وقبل موعد الإفطار، تشهد المواصلات العامة ازدحامًا كبيرًا، حيث يحاول الجميع الوصول إلى منازلهم في الوقت المناسب، كما تنتشر البسطات العشوائية بشكل لافت في مختلف أنحاء المدينة، مما يضيف إلى حالة الفوضى التي تسيطر على العاصمة.
بالإضافة إلى ذلك، تكثر ظاهرة تسول الأطفال، مما يعكس واقع الفقر المدقع الذي تعاني منه شريحة واسعة من المجتمع.
المقاهي: متنفس للمواطنين
وعلى الرغم من كل التحديات، لا تزال المقاهي تشكل متنفساً للسكان، وخاصة مقهى النوفرة والروضة: “في مقهى النوفرة، يجتمع الناس من مختلف الفئات العمرية للاستماع إلى قصة عنترة بن شداد التي يرويها الحكواتي وسط تفاعل كبير من الحضور، وخاصة كبار السن وبعض الشباب”.
وذكر الهايل أن: “الجدران مليئة بصور الحكواتيين السابقين وصور من التراث الأدبي الشرقي، مما يمنح المكان طابعاً تقليدياً يعيد للأذهان ذكريات الماضي”.
غياب مظاهر التكافل الاجتماعي
في السنوات السابقة، كانت موائد الرحمن وإفطار الصائم من أبرز مظاهر رمضان في دمشق، لكن هذا العام غابت هذه الفعاليات تماماً.
وعلى الرغم من عدم وجود مجاهرة بالإفطار في الشوارع، إلا أن: “هناك بعض المقاهي التي تحتوي على أشخاص غير صائمين، ولكن بشكل عام لا توجد مظاهر علنية تنتهك حرمة الشهر الكريم”.
الفوضى المرورية وسوء الخدمات
وتنتشر ظاهرة الدراجات النارية بشكل ملحوظ في شوارع دمشق، مما يسبب انزعاجاً كبيراً للأهالي بسبب الأصوات العالية، كما تغيب إشارات المرور في بعض الشوارع، وسط غياب تام للرقابة على هذه الظاهرة.
أما الخدمات العامة، فهي في حالة سيئة للغاية، فقطاع البلديات يعاني من الإهمال، وشوارع دمشق تعاني من قلة النظافة وانتشار روائح الصرف الصحي التي تخرج بين فترة وأخرى من نهر بردى، كما أن الحدائق العامة مثل حديقة تشرين، أصبحت مهجورة وغير مؤهلة، ولا تقدم أي خدمات للمواطنين.
مولدات الكهرباء على الأرصفة
وفي ظل الانقطاع المستمر للكهرباء، انتشرت ظاهرة نصب المولدات الكهربائية الكبيرة على الأرصفة، خاصة في حي أبو رمانة، حيث توفر هذه المولدات الكهرباء للسكان لكنها تضيف إلى الفوضى المرئية في الشوارع.
حالة الترقب بين السكان
وعلى الرغم من وجود حالة أمنية نسبية في دمشق وعلى أطرافها، إلا أن: “هناك حالة من الترقب والقلق بين السكان الذين يشعرون بعدم الاستقرار في ظل الظروف الراهنة”، بحسب ما نقل الهايل عقب حديث دار بينه وبين أحد الأشخاص.
ترسم الضائقة الاقتصادية وغياب الخدمات وانتشار الفوضى صورة قاتمة لأجواء الشهر الفضيل، ومع ذلك لا تزال هناك محاولات بسيطة من الأهالي للحفاظ على بعض التقاليد، سواء في المقاهي أو عبر الاعتماد على الحلويات الشعبية، في محاولة للتمسك ببقايا البهجة في ظل الظروف الصعبة.