على أنقاض منزل قديم في كفرنبل، جلس السبعيني أبو علي وزوجته يتأملان جدرانًا رمموها بأبسط الإمكانيات، محاولين استعادة جزء من حياتهم التي سلبتها الحرب، فقبل أسابيع، غادرا منطقة نزوحهما في دير حسان شمال إدلب، وقررا العودة إلى مدينتهما رغم الخراب وغياب الخدمات ولم يكن القرار سهلًا لكنه بالنسبة لهما كان ضرورة، فالمنزل ليس مجرد جدران وسقف، بل ذاكرة وحياة.
رمضان بين الأنقاض.. عائلات تعود رغم الدمار
رمم الحاج أبو علي غرفة صغيرة في بيته وبئره القديمة، ليضمن مصدرًا للمياه، في ظل انقطاع الكهرباء والمياه وعدم توفر الإنترنت، لكنه يؤمن أن العيش هنا، رغم القسوة، أفضل من حياة النزوح.
لم تكن عائلة أبو علي الوحيدة التي قررت خوض هذه المغامرة القاسية، إذ عادت عائلات أخرى، أغلبها من المسنين، وأقاموا في منازلهم المهدمة، مكتفين بترميم أجزاء منها، بعضهم افتتح دكاكين صغيرة، فيما عاد أحد القصابين إلى المدينة ليؤمن اللحوم القليلة التي يطلبها العائدون.
ومع ذلك، تظل الحياة في كفرنبل شبه مستحيلة، كما تقول سمر، ابنة أبو علي، التي فضّلت مع إخوتها البقاء في أماكن نزوحهم فالمدينة ما تزال غير صالحة للسكن، لكن يصرّ بعض الأهالي على قضاء شهر رمضان فيها، حتى ولو بين الأنقاض.
ورغم الرغبة الجامحة في العودة، فإن آلاف العائلات لا تزال عاجزة عن ذلك بسبب الدمار الهائل، يزور البعض المدينة بشكل يومي، متفقدين منازلهم ومقيّمين حجم الأضرار، بينما ينتظر آخرون تحركات من الجهات المحلية والدولية لإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، في ظل ارتفاع التكاليف والأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
مع حلول رمضان، يتحول الحنين إلى اختبار حقيقي للصبر، فبينما يجد بعض العائدين عزاءً في ترميم جزء من حياتهم، يبقى آخرون عالقين بين الرغبة في العودة والعجز عن تحقيقها.
مليون نازح في الشمال ينوون العودة لديارهم
وأمس كشف استطلاع أجرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن نحو مليون نازح في شمال غرب سوريا ينوون العودة إلى ديارهم خلال عام، بينهم 600 ألف يخططون لذلك في الأشهر الستة المقبلة.
وأوضحت المتحدثة باسم المفوضية، سيلين شميت، أن الرغبة في العودة قوية بشكل خاص بين النازحين في إدلب، حيث أعربت أسرتان من كل ثلاث أسر عن نيتها العودة، وتركزت الوجهات الأساسية لهذه العودة في المناطق التي كانت خطوط مواجهة سابقة، مثل معرة النعمان وجبل سمعان، ما قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد السكان في هذه المناطق، ما يضع ضغطًا على الخدمات والبنية التحتية.
غياب الخدمات والخوف من المخلفات الحربية
ورغم انتشار الرغبة في العودة، أشار النازحون إلى عقبات كبيرة، مثل نقص المساعدات وفرص العمل والخدمات الأساسية، إضافة إلى المخاوف الأمنية بسبب الألغام ومخلفات الحرب، وأكدت شميت أن عودة النازحين بشكل كريم ومستدام تتطلب توفير مساكن وفرص عمل ومدارس ومستشفيات، فضلًا عن دعم جهود إزالة الألغام، كما شددت على الحاجة إلى التزام دولي لدعم إعادة الإعمار، في ظل اعتماد 90% من السكان على المساعدات، مؤكدة أن هناك فرصة تاريخية لإنهاء أزمة النزوح التي تعد الأكبر عالميًا.
في السياق نفسه، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن 750 ألف نازح داخلي عادوا بالفعل إلى مناطقهم منذ نوفمبر 2024، لكن نحو سبعة ملايين لا يزالون نازحين داخل البلاد. وأظهر تقرير جديد أن أكثر من ربع العائدين يعيشون في مبانٍ متضررة أو غير مكتملة، ما يعكس التحديات المستمرة، كما أشار إلى انخفاض النزوح منذ ديسمبر 2024، مع تزايد حركات العودة بعد الإطاحة بحكومة بشار الأسد. وأكدت المنظمة أنها تعمل على توسيع عملياتها في سوريا، بهدف مساعدة أكثر من 1.1 مليون شخص خلال النصف الأول من 2025، بجانب رقمنة سجلات الملكية لدعم النازحين في استعادة حقوقهم السكنية.