وسط تصاعد الأحداث الأمنية في منطقة مصياف، اضطر الشاب نوران الموسى، ابن بلدة وادي العيون، إلى اتخاذ قرار مفاجئ بالانتقال إلى إدلب برفقة شقيقته مايا، التي تعاني من مرض السرطان، بعد تعذر وصولهما إلى دمشق في موعد العلاج المقرر.
يحكي نوران في حديثه لـ”سوريا 24” تفاصيل الأيام الأخيرة التي قلبت المنطقة رأسًا على عقب، بعد أن كانت قريته خلال الأشهر الثلاثة الماضية تعيش حالة من الاستقرار والهدوء الأمني مع إجراء عمليات التسوية، دون تسجيل أي انتهاكات بحق الأهالي. إلا أن هذا الهدوء لم يدم طويلًا، إذ سمع أصوات إطلاق نار كثيف بالأسلحة الثقيلة والدوشكا قادمة من منطقة جرد السنديان، وهي منطقة مقطوعة في الريف المجاور.
يقول نوران: “سرعان ما انتشرت الأخبار عن وقوع هجوم شنه مسلحون من فلول النظام السابق على قوات الأمن العام، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة وسقوط قتلى وجرحى، ثم تبع ذلك قطع الطرقات وانقطاع الكهرباء، مما أثار الذعر بين الأهالي.”
في خضم هذا التوتر، كان همّ نوران وشقيقته الوحيد هو الوصول إلى دمشق لمتابعة علاج مايا، إلا أن تفاقم الأحداث الأمنية زاد الأمر تعقيدًا، خصوصًا مع مخاوف الأهالي من استمرار المواجهات واحتمال استهداف المدنيين. أمام هذا الوضع، قرر نوران التواصل مع الأمن العام في مصياف، طالبًا تأمين خروج آمن له ولشقيقته.
بعد تنسيق سريع، تم تأمين مغادرتهما إلى حماة، ومنها إلى إدلب، حيث استقبلهما السيد نايف السلطان في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، مقدمًا لهما المأوى والضيافة، في لفتة إنسانية خففت من وطأة رحلتهما الشاقة.
يقول نوران: “تناولنا الإفطار مع العائلة في أول يوم لنا هناك، وشعرت بالأمان في إدلب للمرة الأولى. لم يكن هناك أثر للتحريض والتجييش الذي كنا نسمعه طوال السنوات الماضية. كان بعض أقاربي مستهجنين قراري بالمجيء إلى إدلب بسبب الصورة المشوهة التي رسمها النظام عنها، لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا.”
بعد يومين من الإقامة في كللي، واصل نوران ومايا رحلتهما نحو دمشق. لم تكن رحلتهما سهلة، لكنها حملت في طياتها تجربة مختلفة، مزجت بين الخوف من الأحداث المتصاعدة في مصياف والتضامن الإنساني الذي وجداه في إدلب، إذ لم يكن للحدود الجغرافية أي تأثير أمام معاناة المرض وحاجة الإنسان إلى الدعم والمساعدة.
هذه القصة ليست مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل تعكس واقعًا جديدًا بدأ يتشكل، حيث تسقط الحواجز المصطنعة، ويتجلى الجانب الإنساني بعيدًا عن الدعاية والتجييش، في زمن تحتاج فيه سوريا إلى التكاتف والتضامن أكثر من أي وقت مضى.