سوريا: تعزيز السلم الأهلي وتحقيق العدالة الانتقالية وسط مرحلة حساسة

Facebook
WhatsApp
Telegram

SY24 -خاص

تشهد سوريا مرحلة دقيقة وحاسمة في ظل تصاعد التوترات الأمنية التي اندلعت في الساحل السوري منذ يوم الخميس الماضي، مخلفةً ضحايا من فلول النظام السابق وقوات الأمن العام والجيش السوري.

ومع استمرار الاضطرابات، تتزايد الدعوات لتعزيز السلم الأهلي وتفعيل مسار العدالة الانتقالية كخطوات أساسية لضمان استقرار البلاد ووحدتها الوطنية.

ووسط هذا السياق المعقد، تبرز أهمية التحرك السريع والشامل لاحتواء الأزمة واستعادة الثقة بين مكونات المجتمع السوري.

التأكيد على الوحدة الوطنية

في ظل هذه التطورات، أكد الرئيس السوري، أحمد الشرع، في كلمة رسمية له أن “سوريا ستظل موحدة، ولن نسمح بالعبث بالوحدة الوطنية أو السلم الأهلي.”

وجاءت هذه التصريحات ردًّا مباشرًا على الأحداث الأخيرة التي شهدها الساحل السوري، حيث أشار الرئيس إلى أن الحفاظ على الاستقرار يمثل أولوية قصوى للدولة في هذه المرحلة الحساسة.

ولم تكتفِ الرئاسة بالتصريحات، بل أصدرت قرارًا بتشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي، مؤكدة أن هذا القرار يستند إلى “المصلحة الوطنية العليا” والالتزام بتحقيق الاستقرار الداخلي.

من جهته، قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لـ “العربية”: “قدمنا العفو منذ قدومنا لتعزيز السلم الأهلي، وكل من تورط في أحداث الساحل سيُحاكم.” ما يعكس سعي الحكومة لتحقيق توازن بين المصالحة الوطنية والمساءلة القانونية للمتورطين في الأحداث الأخيرة.

الأحداث الأمنية في الساحل: نقطة تحول

تأتي هذه التطورات السياسية عقب موجة من التوتر الأمني المتصاعد في الساحل السوري، حيث شهدت المنطقة اشتباكات عنيفة أسفرت عن سقوط قتلى من فلول النظام السابق وأفراد من قوات الأمن العام والجيش السوري.

هذه الأحداث أعادت إلى الواجهة مخاوف من انهيار السلم الأهلي وتصاعد الانقسامات، مما دفع الحكومة والمجتمع المدني إلى البحث عن حلول عاجلة لاحتواء الوضع.

ومع استمرار التحديات، يرى مراقبون أن نجاح أي مبادرات يعتمد على مدى قدرتها على معالجة جذور الأزمة وضمان مشاركة جميع الأطراف.

ورأت أنوار درويش من تجمع شباب التغيير في اللاذقية في حديثها لمنصة “سوريا 24“:

“الصراحة من وجهة نظري هو محاسبة المجرمين الذين تم العفو عنهم ونزع السلاح بشكل كامل من كل فصيل أو شخص غير تابع لمؤسسات الدولة العسكرية، وتجريم كل من يحرض ضد الدولة بالخطابات الطائفية أو الفيديوهات والصور المفبركة.”

وترى درويش أن هذه الخطوات تشكل أساسًا لاستعادة الثقة وتفادي المزيد من التصعيد.

رؤى لتعزيز السلم الأهلي: دور المجتمع المدني

وفي سياق البحث عن حلول، برزت دعوات لتعزيز دور الهيئات المدنية والمجتمعية في قيادة المرحلة الانتقالية.

ويرى المتحدثون أن إشراك كافة شرائح المجتمع قد يكون مفتاحًا لتجاوز الانقسامات الطائفية والسياسية التي تهدد الاستقرار.

وفي هذا الإطار، اقترحوا آليات عملية لتحقيق ذلك، مع التركيز على السرعة والشمولية في اتخاذ القرارات.

الدكتور مهدي الحاج، عضو مجلس إدارة تجمع أحرار 2011 في سلمية، قال في حديثه لمنصة “سوريا 24“:

“أرى ضرورة تعزيز دور الهيئات المدنية، حتى لو كانت حديثة، وأقترح إنشاء (مجالس عيان) كما سمعت عنها في مناطق أخرى. هذا المفهوم فعال ومناسب لطبيعة مجتمعنا العربي في هذه المرحلة، لأنه يتجاوز التمثيل الديني الذي قد يؤدي إلى انقسامات طائفية ومشكلات الأقليات والأكثريات.”

وأضاف: “نحتاج إلى مؤسسات مرحلية سريعة تضمن تمثيلًا عادلًا يناسب مجتمعنا، فالأحزاب والهيئات المدنية ضعيفة حاليًا، لكنها قد تساهم في تشكيل مجالس عيان تضم الشرائح الدينية والفكرية والشخصيات الاعتبارية بكل منطقة، مع تقاطعات بين المناطق، وهذا أفضل حل للمرحلة الانتقالية، إذ يمكن للجان مستقلة ذات مصداقية أن تفرز المتورطين بعيدًا عن حماية المؤسسات الدينية لبعض الأشخاص ذوي التاريخ المثقل بحجة الدين، مما يحقق العدالة دون استفزاز الطوائف.”

العدالة الانتقالية: خطوات عملية وتحديات

وتعد العدالة الانتقالية ركيزة أساسية لاستعادة الاستقرار، لكن تنفيذها يتطلب إجراءات واضحة وشفافة، حيث يتفق المتحدثون على ضرورة إصدار قوانين ناظمة وتشكيل محاكم مستقلة لمحاسبة المتورطين في الانتهاكات، مع ضمان عدم الانزلاق إلى الانتقام أو الفوضى. كما يبرز دور الحكومة في قيادة هذه العملية بمشاركة النخب المدنية والمجتمعية.

الدكتور أحمد خنسة، كاتب ومحلل سياسي، قال في حديثه لمنصة “سوريا 24“:

“المطلوب برأيي الإسراع بتشكيل لجان مجتمعية تضم كافة أطياف المجتمع، مع التركيز على المكون النخبوي المدني، والإسراع بتأليف حكومة تمثل كامل الشعب السوري لتقود المرحلة، والإسراع بخطوات العدالة الانتقالية بإصدار القوانين الناظمة وتشكيل المحاكم المختصة، بالاعتماد على قضاة مستقلين وغير فاسدين، وتحديد معايير صارمة لإصدار قرارات التوقيف والاعتقال، وتقديم المتهمين للمحاكمة بشفافية حتى يشعر الناس بالطمأنينة والأمان، وإبعاد المجموعات المسلحة غير المنضبطة ومعاقبة المخالفين للتعليمات الواضحة.”

حيث يضع خنسة خارطة طريق واضحة تركز على السرعة والشفافية لضمان نجاح المرحلة الانتقالية.

التحديات المستقبلية: بناء الثقة وتجاوز الانقسامات

ويواجه المسار الانتقالي في سوريا تحديات كبيرة، أبرزها غياب الثقة بين مكونات المجتمع نتيجة سنوات من الصراع، إضافة إلى تعقيدات المصالحة بين ضحايا النظام السابق والمتورطين في الانتهاكات.

ومع ذلك، يرى المتحدثون أن تشكيل اللجنة العليا للسلم الأهلي قد يمثل خطوة إيجابية إذا تم دعمها بإجراءات عملية تضمن الشفافية والشمولية، حيث يعتمد النجاح في هذه المرحلة على قدرة الحكومة والمجتمع على العمل معًا لتجاوز الماضي وبناء مستقبل مشترك.

نحو سوريا مستقرة وعادلة

وفي ظل هذه المرحلة الحرجة، تتجه الأنظار نحو الخطوات التي ستتخذها الحكومة السورية لترجمة الوعود إلى أفعال ملموسة، فالحفاظ على السلم الأهلي وتحقيق العدالة الانتقالية ليسا مجرد شعارات، بل يتطلبان إرادة سياسية قوية ومشاركة مجتمعية واسعة لضمان أن تتجاوز سوريا أزمتها الحالية نحو مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.

ومع استمرار النقاشات والمبادرات، يبقى الأمل معلقًا على تحقيق توافق وطني يعيد لسوريا وحدتها وكرامتها.

مقالات ذات صلة