جرابلس: المسحراتي أبو صطيف ينقل تراث دمشق إلى الشمال السوري

Facebook
WhatsApp
Telegram

SY24 -خاص

في شوارع مدينة جرابلس الواقعة شمال سوريا، يصدح صوت المسحراتي أبو صطيف (محمد عماد الحموي)، ابن حي القابون الدمشقي، ليوقظ الأهالي في ليالي رمضان المباركة، حاملاً معه تراثاً عتيقاً ورسالة أمل تتجاوز حدود الزمن والمكان.

أبو صطيف، الذي ورث هذه المهنة عن أجداده ووالده، يواصل دوره كجزء لا يتجزأ من الروحانية الرمضانية، رغم التحديات التي فرضتها سنوات الحرب والنزوح.

مهنة تاريخية لا تموت

عند سؤاله عن مصير مهنة المسحراتي، أجاب أبو صطيف في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “مهنة المسحراتي هي مهنة تاريخية وتراثية قديمة تعلمتها من أجدادي وأبي، هذه المهنة لا يمكن أن تنقرض أو تموت، لأن رمضان بدون المسحر ليس رمضانًا”.

وأضاف أن الناس في المنطقة يترقبون هذا الشهر الكريم كل عام ليستمتعوا بصوته وأهازيجه التي تضفي على الليالي طابعاً خاصاً من الفرحة والبهجة: “المسحراتي ليس مجرد شخص يوقظ النائمين للسحور، بل رمز ثقافي يعزز الترابط الاجتماعي”.

تحديات جديدة وإصرار على الاستمرار

يتطلب أداء التسحير التزاماً صارماً بالمواعيد، حيث يبدأ أبو صطيف جولته بين الساعة الثانية والنصف فجراً ويستمر حتى ما قبل أذان الفجر بنحو ربع ساعة أو نصف ساعة: “التحديات تتعلق بالظروف الاجتماعية والتغيرات في المجتمع، مثل عودة العائلات المهجرة أو تراجع عدد السكان في بعض المناطق”.

وعلى الرغم من ذلك، يواجه أبو صطيف هذه الصعوبات بحب الناس وإصراره على مواصلة ما بدأه والده، مؤكداً أن حب الأهالي هو ما يدفعه للاستمرار.

أهازيج تحمل الحنين والروحانية

ويستخدم أبو سطيف أهازيج وأغانٍ تقليدية تعلمها من والده، الذي أضاف لمساته الخاصة لتتناسب مع الذوق الشعبي.

ومن بين هذه الأهازيج، تبرز “يا صاحب الفرج” كأكثر ما يطلبه الأهالي، حيث تحمل في طياتها رسالة روحانية وتعبيراً عن الحنين لأيام الماضي الجميلة: “هذه الأهازيج ليست مجرد كلمات، بل وسيلة لجمع الناس وإحياء ذكرياتهم في هذا الشهر الفضيل”.

تغيرات في الظروف وانخفاض الكثافة السكانية

وعند مقارنة ظروف عمله هذا العام بالسنوات السابقة، يشير أبو صطيف إلى تراجع ملحوظ في عدد السكان بسبب الهجرة والنزوح: “في السنوات السابقة، كان الحي مكتظاً بالناس، لكن هذا العام، عندما جئت إلى جرابلس، لاحظت أن عدد السكان قد انخفض بشكل كبير، مما جعلني أشعر بالصدمة”.

ورغم ذلك، يؤكد أنه لم يتوقف عن أداء مهمته بحب وإخلاص، معتبراً أن دوره لا يقتصر على إيقاظ الناس، بل على إدخال البهجة إلى قلوبهم.

عودة العائلات تعزز الفرحة

مع عودة بعض العائلات السورية المهجرة إلى مناطقهم، يرى أبو صطيف أن هذا التطور يعزز من أهمية دوره: “الأسر التي كانت بعيدة عن أوطانها تستعيد ذكرياتها الجميلة مع التسحير، مما يجعل وجود المسحراتي أكثر أهمية”، معبرا عن سعادته الكبيرة بهذا التغيير ومتمنياً أن تستمر عودة الأهالي حتى تعود الحياة إلى طبيعتها في جميع المناطق السورية.

تفاعل الأهالي: شغف وحنين

ووصف أبو صطيف ردود فعل الأهالي قائلاً: “سبحان الله، الناس يحبون التجمع حول المسحراتي يوميًا، وهذا يجعلني سعيدًا من أعماق قلبي”، حيث يتفاعل الأهالي، وخاصة الأطفال والشباب، مع أهازيجه بإيجابية كبيرة، وما زالوا ينتظرون قدومه بشغف.

رسالة ورثها عن والده

وعن الأسباب التي دفعته لاختيار هذه المهنة، يقول أبو صطيف: “حب الناس وتقديرهم لوالدي، الذي كان مسحراتيًا مشهورًا، دفعني لأكون مثله وأواصل رسالته”.

واعتبر أن المسحراتي يلعب دوراً اجتماعياً مهماً كحلقة وصل بين الفقراء والأغنياء، حيث يساعد في إيصال المساعدات المالية والعينية للعائلات المحتاجة خلال رمضان، مما يجعل عمله رسالة إنسانية بقدر ما هو تراث ثقافي.

وفي زمن تتغير فيه ملامح الحياة اليومية بسرعة، يبقى المسحراتي أبو صطيف شاهداً على صمود التراث السوري، إذ يحمل على عاتقه ليس فقط إيقاظ النائمين، بل إحياء ذكريات شعب عانى الأمرّين، لكنه لم يفقد شغفه بالحياة والتقاليد.

مقالات ذات صلة