على الرغم من الترحيب الكبير الذي لقيه إعلان رئاسة الجمهورية عن تشكيل لجنة تحقيق في أحداث الساحل السوري من قبل أطراف دولية ومنظمات حقوقية مستقلة، إلا أن الآليات التي ستعتمدها اللجنة للتحقق من الممارسات والانتهاكات لا تزال محل نقاش بين المهتمين في الشأن الحقوقي والإنساني.
آليات التحقيق والتعاون الدولي
في هذا السياق، أكد الناطق باسم اللجنة، المحامي ياسر فرحان، أن اللجنة منفتحة على التعاون مع المنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان. وأوضح أن اللجنة ستدرس احتياجاتها لتحديد طبيعة الدعم المطلوب، سواء من الأمم المتحدة أو من جهات أخرى تمتلك خبرات طويلة في مجال التوثيق والعدالة الانتقالية، مشددًا على أن أي دعم يخدم مسار العدالة سيكون موضع ترحيب.
وأشار فرحان في حديث خاص لموقع سوريا ٢٤ إلى أن اللجنة ستعتمد على مصادر مباشرة للتحقيق، تشمل مقابلات الشهود والضحايا، فحص الأدلة، مراجعة الضبوط الرسمية، وتحليل مقاطع الفيديو، مع إمكانية طلب المساعدة الدولية عند الحاجة. كما أكد أن اللجنة ستدفع باتجاه تنفيذ مسارات العدالة ضمن إطار التعاون الدولي.
وأوضح أن اللجنة ستقوم بتقديم تقارير تمهيدية متتالية إلى رئيس الجمهورية، يليها التقرير النهائي، مشيرًا إلى أن الأشخاص المرجح تورطهم في الانتهاكات سيتم إحالتهم إلى النيابة العامة مع طلب إصدار مذكرات إحضار بحقهم، وتحويلهم إلى التحقيق الأولي أو المحكمة وفقًا لما تراه اللجنة مناسبًا بناءً على الأدلة المتوفرة.
ورأى فرحان أنه من المبكر الحديث عن إصدار قائمة بأسماء المتورطين في الجرائم، نظرًا لحساسية التحقيقات وسريتها، موضحًا أن الإعلان عن الأسماء قد يتم خلال الأسبوع المقبل أو تأجيله حتى التقرير النهائي.
استقلالية اللجنة والسياق الحقوقي
أكد فرحان أن اللجنة مستقلة عن لجنة السلم الأهلي، مشيرًا إلى أن كلتا اللجنتين تكملان بعضهما البعض، حيث إن السلام بدون عدالة يبقى هشًا، بينما العدالة تفضي إلى سلام مستدام. كما أوضح أن عمل اللجنتين معقد ومتعدد الأوجه، خاصة لجنة التحقيق، التي تسعى لإنجاز مهامها بسرعة بهدف طمأنة الضحايا وردع المتورطين عن تكرار الانتهاكات.
سلسلة الأحداث
في السادس من آذار/ مارس الماضي، اندلعت أحداث دامية في منطقة الساحل السوري، نتيجة استهداف ميلشيات مسلحة موالية لنظام الأسد السابق وإيران لحواجز الأمن العام، ما أدى إلى مقتل العشرات منهم خاصة في محافظتي اللاذقية وطرطوس. وتبع ذلك انتهاكات وجرائم كبيرة بحق المدنيين في المنطقة، ما أدى إلى مقتل عشرات المدنيين على أيدي مجموعات غير منضبطة تابعة للحكومة وأخرى تنتمي للنظام السابق.
أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير صدر في 11 مارس/آذار 2025، توثيق مقتل ما لا يقل عن 803 أشخاص، بينهم 39 طفلًا و49 سيدة، خلال الفترة الممتدة من 6 إلى 10 مارس/آذار 2025. وقد أشارت الشبكة إلى أن قوات الأمن العام والفصائل المسلحة والأفراد التابعين لها كانوا مسؤولين عن مقتل قرابة 396 شخصًا، من المدنيين وأفراد غير مسلحين من بقايا نظام الأسد.
إعلان تشكيل اللجنة
دفعت الأحداث الدامية في الساحل، الرئيس السوري أحمد الشرع في التاسع من مارس/آذار 2025 لإصدار قرار بتشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في هذه الأحداث.
تتألف اللجنة من سبعة أعضاء، من بينهم قضاة، ومهمتها الكشف عن الأسباب والظروف التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، وتحديد المسؤولين عنها. كما ستقوم اللجنة بالتحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش، مع إحالة المتورطين إلى القضاء. ومن المتوقع أن تقدم اللجنة تقريرها النهائي إلى رئاسة الجمهورية في غضون 30 يومًا من تاريخ صدور القرار.
رؤى حقوقية حول مهام اللجنة
فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أكد في حديث لسوريا ٢٤ أن اللجنة من المفترض أن تنسق مع المؤسسات الحقوقية الوطنية، خاصة تلك التي تمتلك خبرات في التحقيق، مشيرًا إلى أن اللجنة تفتقد للخبرة في هذا المجال. كما شدد على أهمية أن تضم اللجنة شخصًا من الطائفة العلوية لتعزيز الحيادية، وأن تمتلك خبرة في التعامل مع المصادر المفتوحة وشهادات ذوي الضحايا.
من جانبه، أكد حسام قصاص، عضو فريق التحقيقات ومتخصص في أبحاث المصادر المفتوحة في فريق دار عدل، في حديث لموقع سوريا٢٤ أن اللجنة مطالبة بالحيادية والصبر، والاستفادة من التفويض الواسع الممنوح لها من قبل الرئاسة، للوصول إلى كافة الأطراف في الساحل، بما في ذلك المدنيون في المناطق التي شهدت انتهاكات. كما شدد على ضرورة التعامل مع هذه المناطق باعتبارها مسارح جريمة، واستخدام تحقيقات المصادر المفتوحة للتأكد من الأحداث والتعرف على مرتكبي الانتهاكات.
المسار نحو العدالة والمصالحة يُنظر إلى تشكيل لجنة التحقيق في انتهاكات الساحل السوري خلال بداية آذار على أنه خطوة إيجابية نحو تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا. كما يتماشى مع المساعي الرامية إلى تأسيس دولة تمثل وتحمي جميع المواطنين السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم.
ورغم أهمية هذه الخطوة، فإنها تعكس أيضًا حجم التحديات التي تواجه الدولة في إدارة السلم الأهلي، ولذلك تبقى مسارات العدالة وإنصاف الضحايا الحل الوحيد للخروج من حالة السلم السلبي، والتحول إلى حالة السلم الإيجابي القائم على العدالة، ومحاسبة الجناة، والتوافق المجتمعي على العيش المشترك واحترام الاختلاف.