يتصدر الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” واجهة المشهد في سوريا، حيث يصفه اقتصاديون بأنه “خطوة محورية قد تعيد رسم مستقبل الاقتصاد السوري”.
ويهدف هذا الاتفاق الذي أُعلن عنه رسميًا عبر رئاسة الجمهورية العربية السورية، إلى دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا ضمن إطار الدولة السورية، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض أي محاولات للتقسيم.
ويشمل الاتفاق ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل السياسي والاعتراف بالمجتمع الكردي كمكون أصيل، إلى جانب وقف إطلاق النار ودمج المؤسسات التي تدير المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز.
مرحلة جديدة نحو استثمار الثروات الطبيعية
في تعليقه على الاتفاق، يقول الخبير الاقتصادي والمستشار أسامة القاضي في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “لا شك أن هذا الاتفاق يمثل بداية مرحلة جديدة يتم فيها استثمار الثروات الطبيعية في سوريا بشكل منهجي ومستدام”.
ويضيف القاضي أن هذا يعني إصلاح الآبار المهدمَة أو المعطلة واستثمارها بطريقة صديقة للبيئة، مما يؤدي إلى عودة الأهالي في المناطق الشمالية الشرقية إلى أراضيهم وبيوتهم: “هذا هو الهدف الأساسي، حيث سيعود الناس إلى حياتهم الطبيعية وتنتهي معاناتهم. كما يعني الإفراج عن المظلومين في تلك المناطق”.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي والمالي عبد الحكيم المصري في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن الاتفاق سيؤدي إلى “تغيير جذري” في الاقتصاد السوري: “لن نحتاج بعد الآن لاستيراد النفط أو الغاز”، مشيرًا إلى أن سوريا ستبدأ قريبًا بتصدير الفائض من إنتاجها، مما يعزز الإيرادات الحكومية ويخفف الضغوط الاقتصادية.
ويؤكد المصري أن هذا التغيير سيخلق مساحات زراعية واسعة ويتيح إنتاج الحبوب بكثافة، مما يعزز الأمن الغذائي ويقلل الاعتماد على الاستيراد.
إحياء سلاسل التوريد وتحقيق التنمية المتوازنة
الاتفاق يسعى أيضًا إلى إعادة بناء سلاسل التوريد بين المحافظات السورية، وهو ما يعتبره القاضي خطوة حيوية لتحقيق التنمية المتوازنة: “سيكون الطريق بين الحسكة ودير الزور والرقة وحتى درعا سالكًا وآمنًا، مما يعزز النشاط التجاري بين مختلف المناطق”، وبهذه الطريقة، ستعم فوائد الثروة النفطية جميع المحافظات دون استثناء أي منطقة”.
وفيما يتعلق بالإنتاج النفطي، يشير القاضي إلى أن المرحلة الأولى قد تشهد إنتاج حوالي 150 إلى 200 ألف برميل يوميًا، وهو رقم متواضع مقارنة بالإنتاج السابق الذي كان يصل إلى 380,000 برميل يوميًا.
ومع ذلك، فإن هذا الكم سيكون كافيًا لتوفير الغاز والنفط اللازمين لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، والتي يمكن أن تصل طاقتها إلى حوالي 4,000 إلى 5,000 ميجاوات: “نتيجة لذلك، ستنخفض ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى حوالي خمس ساعات يوميًا بإذن الله”، يضيف القاضي.
ويوافق الخبير الاقتصادي المصري على هذا التحليل، لكنه يشدد على أهمية الشفافية في الإعلان عن الأرقام الدقيقة للإنتاج: “كان هناك شكوك حول الأرقام التي كانت تُعلن سابقًا بشأن الإنتاج، لكن لا توجد أرقام دقيقة لأن المعلومات لم تكن واضحة للجميع”، ومع ذلك، يؤكد أن الأثر الإيجابي لهذه الجهود سيكون كبيرًا بلا شك.
تأثير الاتفاق على الليرة السورية وسوق العمل
نجاح الاتفاق قد يفتح أيضًا باب المفاوضات حول العقوبات المفروضة على سوريا، خاصة تلك المتعلقة بالمناطق التي كانت خارج سيطرة الحكومة، كما أن تحسّن الإيرادات الحكومية من النفط والزراعة يساعد في دعم الليرة السورية وتقليل الضغوط التضخمية، مما يمنح الاقتصاد السوري فرصة للتعافي.
بالإضافة إلى ذلك، يتيح الاتفاق فرصة لإعادة تشغيل المصانع والمنشآت المعطلة، مما يؤدي إلى خلق وظائف جديدة في مجالات التصنيع: “مع دمج قسد سابقاً في مؤسسات الدولة والاستفادة من الموارد النفطية والزراعية وعوائدهم، سيحصل الموظفون والعاملون فرص لتحسن الرواتب بشكل أفضل من السابق”، يوضح المصري.
خطوة نحو السلم المجتمعي والتنمية المستدامة
الاتفاق ليس مجرد صفقة اقتصادية، بل هو خطوة مهمة نحو تحقيق السلم المجتمعي والوطني.
وفي هذا الجانب يعتقد القاضي أن هذه الخطوة تمثل بداية لبناء دولة حقيقية ذات سيادة تقوم على العدالة والتنمية المستدامة: “هذه هي الفرصة الذهبية لسوريا لإعادة ترتيب أولوياتها والتركيز على مصالح الشعب السوري البالغ عددهم 25 مليون نسمة”.
المصري يوافق على هذا الرأي كذلك، مشددًا على أهمية الاستثمار في القطاع الزراعي: “سيكون هناك ما نسبته 50% من الغاز وأربع مناطق زراعية رئيسية، وهذا يعني أن الأمور تسير بشكل صحيح، وأن المناطق بدأت تعود إلى وضعها الطبيعي في سوريا، وبالتالي فإن هذا التغيير سيخلق مساحات زراعية واسعة ويتيح إنتاج الحبوب بكثافة، مما يعزز الأمن الغذائي ويقلل الاعتماد على الاستيراد”.
تحديات التنفيذ والمستقبل
وعلى الرغم من الإيجابيات الكبيرة التي يحملها الاتفاق، إلا أن تحديات التنفيذ تبقى قائمة، حيث يشير المصري إلى أن عملية صيانة الآبار المعطلة وبدء أعمال التنقيب الجديدة تتطلب وقتًا وجهدًا كبيرًا: “جزء منها بدأ بالفعل يخضع للصيانة، ويمكن أن يتم تنفيذ عمليات تنقيب جديدة، وهذا قد يؤدي إلى زيادة الإنتاج مستقبلاً”.
ووسط كل ذلك، يبقى الاتفاق بين الحكومة السورية و”قسد” اختبارًا حقيقيًا لجدية الطرفين في تحقيق السلام والتنمية، وإذا نجح في تحقيق أهدافه فإنه لا يعيد فقط بناء الاقتصاد السوري، بل يفتح صفحة جديدة من التعايش والتعاون بين جميع مكونات الشعب السوري.