مع تغير الأوضاع في سوريا بعد سقوط النظام وعودة العديد من العائلات إلى قراهم المدمرة، ظهرت معاناة نفسية جديدة تؤرق هؤلاء العائدين، الذين كانوا يحلمون بالنصر والعودة إلى منازلهم، ليجدوا أنفسهم في مواجهة واقع قاسٍ مليء بالخراب والدمار وفقدان الأحبة.
“شعور الانتصار كان لحظة عابرة، لكن ما تبعه من خيبة أمل وشعور بالعجز أمام الدمار جعلنا نشعر بأن النصر منقوص”، بهذه الكلمات يصف أبو أحمد أحد العائدين إلى بلدة معرة حرمة بريف إدلب الجنوبي تجربته بعد العودة إلى منزله الذي أصبح ركامًا.
معاناة نفسية متفاقمة
المختصة النفسية، سمر الحسن، تشير في حديثها لـ”سوريا 24” إلى أن “الصدمة النفسية التي يواجهها العائدون ترتبط بما يُعرف بصدمة ما بعد النصر، حيث يشعر الأفراد بأن التضحيات الكبيرة التي قدموها لم تحقق النتائج المتوقعة، مما يولد مشاعر الخيبة والاكتئاب، خاصة لدى أهالي المخيمات الذين فقدوا منازلهم وأعمالهم، وزاد العبء المالي عليهم”.
وتضيف الحسن أن الأمهات اللاتي فقدن أبناءهن أو يجهلن مصيرهم يواجهن صدمة مضاعفة تمتزج بالحزن والقلق المستمر، مما يفاقم حالات الاكتئاب واضطرابات النوم.
مأساة أم جمعة.. نموذج لمعاناة الأمهات
أم جمعة، وهي سيدة من مدينة إدلب، فقدت ابنها الذي اعتقل منذ سنوات على يد قوات النظام السوري، وبعد تحرير السجون وإطلاق سراح المعتقلين، كانت تأمل أن تلتقي به أو تحصل على خبر عنه، إلا أن غيابه المستمر وجهلها بمصيره كانا كفيلين بإصابتها بصدمة نفسية حادة، وفق ما تروي ابنتها زهرة.
تقول زهرة لمنصة “سوريا 24” إن “أمي اليوم تعيش عزلة اجتماعية وترفض الحديث مع الناس، وتعاني من أعراض نفسية حادة مثل الأرق ونوبات البكاء المستمر. نحن كأسرة نحاول مساعدتها، لكن الألم النفسي أكبر من قدرتنا على التخفيف منه”.
المخيمات.. معاناة مضاعفة
في مخيمات الشمال السوري، تتفاقم هذه الحالة النفسية بسبب الظروف المعيشية القاسية وانعدام الأمل في تحسين الوضع. يقول محمود، أحد النازحين في مخيم أطمة: “كنا نحلم بالعودة إلى قريتنا بعد تحريرها، لكن اليوم نعيش في خيبة كبيرة، فلا بيت نعود إليه، ولا عمل نكسب منه قوت يومنا”.
المختصة النفسية سمر الحسن تؤكد أن “العيش في بيئة غير مستقرة وافتقار الدعم النفسي يزيد من معاناة هؤلاء الأشخاص، ويؤدي إلى انتشار الاكتئاب والشعور بالعجز والانعزال عن المجتمع”.
الحاجة إلى الدعم النفسي
وفي السياق، تبرز أهمية توفير برامج دعم نفسي واجتماعي للعائدين إلى قراهم ولأهالي المخيمات، باعتبارها أمرًا ضروريًا لتخفيف وطأة الصدمة النفسية. فضلًا عن أهمية التوعية المجتمعية لفهم تأثير هذه الأزمة على الصحة النفسية، خاصة في ظل استمرار الظروف الاقتصادية الصعبة.
في ظل غياب حلول جذرية للأوضاع المعيشية، يبقى الأمل معلقًا على المبادرات المحلية والدولية التي تسعى لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهؤلاء الذين يعيشون “النصر المنقوص” بكل أبعاده.