“المواطنة السورية”.. مبادرة لترميم الشرخ المجتمعي وبناء الثقة بعد أحداث الساحل

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

وسط الشرخ المجتمعي الحاصل، وفي محاولة منه وعدد الناشطين في المجال المدني والإعلامي، يسعى الناشط المدني عبد الفتاح شيخ عمر إلى ترميم ما خلفته أحداث الساحل من انعكاسات أهلية واجتماعية ويحاولون الثقة بـ”سورنة المجتمعات”، وإعادة بناء الثقة بين الناس عبر حملة “المواطنة السورية”.

أحداث الساحل التي أودت بحياة عشرات المدنيين على أيدي فصائل غير منضبطة، تقول إنها محسوبة على الحكومة السورية، وعشرات آخرين على أيدي فلول النظام، ما أسهم في تعميق الشرخ المجتمعي في المنطقة.

هدف الحملة: حماية المدنيين ومساندتهم

يقول عبد الفتاح، الذي زار عدة قرى منكوبة وشهد بنفسه حجم الألم الذي يعيشه الأهالي، إن الهدف من الحملة هو الوقوف إلى جانب المدنيين الذين تعرضوا للانتهاكات، بغض النظر عن أماكن وجودهم أو انتماءاتهم، ويرى أن ما يهمّ في النهاية هو أنهم بشر لا ذنب لهم، لم يكونوا طرفًا في الأعمال القتالية، لكنهم وجدوا أنفسهم ضحايا لعنف لا يفرق بين أحد.

لذلك، تتركز جهود الحملة على تقديم الدعم الإنساني للعائلات المتضررة، ومساندة الذين فقدوا ذويهم أو تعرضوا لانتهاكات، إضافة إلى إقامة حوارات مجتمعية لمناقشة تداعيات الأحداث والبحث عن حلول للمصالحة.

آليات الدعم المقدّم من الحملة

تعتمد حملة “المواطنة السورية” على شقين رئيسيين، الأول هو الدعم الإنساني، حيث تعمل الفرق على توفير الاحتياجات الأساسية للعائلات المتضررة مثل الغذاء والدواء والإيواء، إضافة إلى تقديم واجب العزاء والمواساة للأسر التي فقدت أحبّتها.
أما الشق الثاني، فيركز على تحقيق العدالة وكشف الحقيقة، من خلال تسليط الضوء على الانتهاكات التي وقعت ضد المدنيين، والعمل على توثيق الجرائم ودعم محاسبة المسؤولين عنها.

المناطق المستهدفة وردود الأفعال

شملت الحملة حتى الآن العديد من المناطق، حيث استهدفت قرى في ريف البهلولية، برابشو، زُبار، الشريفة، واللاذقية، إضافة إلى ريف القرداحة وصنوبر، على أن تمتد خلال الأسبوع القادم إلى بانياس وطرطوس.

أما عن تفاعل الأهالي مع الحملة، فيوضح عبد الفتاح أن هناك تفاوتًا في الاستجابة. فقد رحّبت أغلب القرى بالمبادرة واستقبلت المساعدات بامتنان، إلا أن إحدى القرى رفضت استقبال المساعدات رغم تلقيها مساعدات من جهات أخرى.

ويرى البعض أن هذا الرفض ربما يعود إلى سوء التنسيق، أو إلى اعتقاد الأهالي بأن الحملة محسوبة على جهة معينة. كما يظهر في بعض المناطق استقطاب سياسي واضح، حيث يوجد من هم لا يزالون موالين للنظام، ومن هم متعاونون مع الثورة والتغيير، إلى جانب وجود اختلافات دينية واجتماعية تؤثر على موقف بعض القرى من الحملة.

إحصائيات أحداث الساحل

وفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن أحداث الساحل الأخيرة أدّت إلى مقتل العشرات من المدنيين نتيجة المواجهات والانتهاكات، كما تسببت في تفاقم الشرخ المجتمعي، ما زاد من تعقيد جهود المصالحة، فضلًا عن تهجير العديد من العائلات بسبب تصاعد التوترات والعنف.

رؤية مستقبلية: نحو مصالحة مجتمعية شاملة

لا تقتصر الحملة على تقديم المساعدات فقط، بل تهدف إلى إقامة حوارات مجتمعية معمّقة لمناقشة الأسباب التي أدّت إلى تأزم الأوضاع في الساحل، والبحث عن الحلول التي قد تساعد في تجاوز هذا الانقسام.
ويؤكد عبد الفتاح أن السوريين قادرون على تجاوز هذه المرحلة الصعبة رغم الجروح العميقة، مضيفًا أن الأمل لا يزال موجودًا، وأن عملهم لن يتوقف عند توزيع المساعدات، بل سيستمر في بناء الجسور بين أبناء هذا الوطن حتى تعود المواطنة إلى معناها الحقيقي.

محافظة اللاذقية تحاول تعزيز السلم الأهلي عبر زيارات ومبادرات إنسانية

في إطار الجهود الرامية لتعزيز السلم الأهلي في اللاذقية، شهدت المحافظة سلسلة من النشاطات الرسمية التي تؤكد على التضامن المجتمعي ودعم الأسر المتضررة من الأحداث الأخيرة.
بحضور السيد محمد عثمان، محافظ اللاذقية، والمقدم مصطفى صبوح، قائد شرطة اللاذقية، أقيمت مراسم عزاء لضحايا الأحداث الأخيرة، من رجال الأمن والجيش والمدنيين، في جامع حورية وجامع الإمام الحسين في دمسرخو.

كما زار محافظ اللاذقية برفقة أعضاء اللجنة العليا للسلم الأهلي السيدة أم أيمن ريحان، التي فقدت أولادها خلال الأحداث الأخيرة، وخلال الزيارة، أكد المحافظ على ضرورة محاكمة المسؤولين عن الجرائم، فيما شدد أعضاء اللجنة على أهمية تعزيز السلم الأهلي وإعادة الاستقرار للمنطقة.

وفي خطوة أخرى لتعزيز الأمن والاستقرار، قامت إدارة منطقة جبلة، وبحماية من قوات الأمن الداخلي، بإجلاء عدد من المدنيين كانوا متواجدين في مطار حميميم بعد طلبهم التنسيق للخروج، وذلك لضمان سلامتهم.

نجاح هذه المبادرات مرهون بالعدالة الانتقالية وغياب التسييس

أكدت الصحفية حنين عمران أن المبادرات المجتمعية أو الحقوقية التي تهدف إلى تقريب وجهات النظر، وتحقيق السلم الأهلي، وطمأنة الناس، لا يمكن أن تنجح إلا إذا كانت الخطوات المتخذة لتحقيق هذه الأهداف جدية ومدروسة، وتمتعت بالمصداقية الكافية من قبل القائمين عليها.

وأوضحت عمران أن هذه المبادرات غالبًا ما تواجه عقبات عديدة، أبرزها المصالح الشخصية والتسييس، مما قد يؤدي إلى حرفها عن مسارها الأساسي وإضعاف تأثيرها، وأشارت إلى أن السوريين اليوم بحاجة ماسة إلى قوانين فعلية لتطبيق العدالة الانتقالية، وضمان سلامة جميع الفئات، حيث تكمن الخطوة الأولى في الاستجابة للمطالب الشعبية باعتقال المتورطين في سفك دماء السوريين، مما يضمن عدم اختلاط الظالم بالمظلوم، ويحول دون استغلال البعض لهذه المرحلة للانتقام أو تأجيج الفتنة.

وأضافت أن هناك مشكلة مزدوجة تواجه المجتمع السوري اليوم، تتمثل في الخلافات الطائفية التاريخية، والخلافات السياسية التي تفاقمت خلال سنوات الثورة السورية، حيث تحولت الأخيرة إلى صراع إثبات وجود لدى بعض الأطراف بعد سقوط النظام، مما دفع بعض الفئات إلى توريط أبناء ملّتهم بجرائم لم يعبؤوا بعواقبها.

وشددت عمران على ضرورة تدخل وجهاء المجتمع وأصحاب الكلمة المؤثرة لتوجيه الرأي العام، والنصح للأهالي، مع ضرورة التزام الحكومة والقضاء بوعود واضحة لتحقيق العدالة، وختمت عمران تصريحها بالتأكيد على أن الأهم من هذه المبادرات هو وضع القوانين الكفيلة بمنع اندلاع اقتتال طائفي محتمل، ومنع تحوّل هذه السجالات إلى ذريعة للتدخل الخارجي في الشأن السوري.

مقالات ذات صلة