وصف محللون سياسيون عراقيون في حديثهم لمنصة سوريا ٢٤، زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى العاصمة العراقية بغداد، بأنها بداية عهد جديد في العلاقات بين العراق وسوريا.
وأكدوا أن الزيارة تفتح آفاق تعاون استراتيجي، رغم الضغوط الإيرانية والتحديات الداخلية التي تعيق تقارب البلدين.
وأمس الجمعة، وصل الشيباني إلى العاصمة العراقية بغداد، في أول زيارة رسمية يقوم بها مسؤول سوري بعد سقوط نظام الأسد السابق.
وتأتي هذه الزيارة وسط حذر عراقي واضح وموقف يوصف بالضبابي تجاه التطورات في سوريا، مما يدفع للتساؤل حول العوامل التي تشكل هذا الموقف، والدوافع التي تقف وراء الزيارة، والعوائق التي تحول دون تطوير العلاقات بين بغداد ودمشق.
زيارة محاطة بالجدل والتأجيل
ولم تكن الزيارة وليدة اللحظة، فقد كانت مقررة منذ الشهر الماضي، لكن تأجيلها لأسباب غير معلنة أثار الكثير من التكهنات.
ولم يكن العراق من بين أوائل دول الجوار التي سارعت لتهنئة دمشق بسقوط نظام الأسد السابق وميليشياته المدعومة إيرانيًا، بل اكتفى في الأيام الأولى للتحرير بإرسال مسؤول أمني بارز إلى سوريا في زيارة وُصفت بأنها “لجس النبض”.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي جاسم الشمري في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “هنالك عدد من النقاط الضبابية التي تحاول بغداد استكشافها مع الحكومة السورية الجديدة، مثل نهج دمشق تجاه الأقليات كالعلويين والأكراد، وقضية داعش التي لا يزال لها أكثر من ألفي مقاتل في مناطق مثل الحسكة”.
من جانب آخر، يقول غازي حسين، مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، إن “الزيارة تُعد بداية عهد جديد في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية بين بغداد ودمشق، حيث تُوضع أسس جديدة بعد سقوط النظام القمعي الذي حكم سوريا منذ 1963”.
ويضيف: “لقاءات الشيباني مع الرؤساء الثلاثة ورئيس مجلس القضاء الأعلى تؤكد أهمية هذه الزيارة الاستثنائية”.
العوامل المشكلة للموقف العراقي الضبابي
وتتعدد الأسباب التي تجعل موقف العراق تجاه سوريا غامضًا. فالحدود المشتركة التي تمتد لأكثر من 600 كيلومتر كانت في عهد الأسد السابق تحت سيطرة ميليشيات إيرانية، مما جعلها نقطة ضعف أمنية.
ويشير الشمري إلى أن “قضايا مثل داعش، تهريب المخدرات والأسلحة، والميليشيات تمثل نقاطًا شائكة تربط البلدين عبر التداخل الأمني والحدودي”، موضحا أن: “زيارة مسؤول مثل حميد الشطري إلى سوريا ربما وضعت النقاط على الحروف في هذا الملف”.
وفي الوقت نفسه، يبرز غازي حسين تحولاً إيجابيًا في الموقف العراقي، قائلاً: “الموقف الذي كان ضبابيًا لفترة طويلة أصبح اليوم أكثر وضوحًا، خاصة مع دخول سوريا عهدًا جديدًا نحو بناء نظام ديمقراطي تعددي يرتكز على الحقوق والقوانين”، ويضيف: “لقاء الشيباني مع وزير الخارجية العراقي عكس عمق العلاقات وأهمية تطويرها”.
الضغوط الإيرانية: عقبة رئيسية
وتلعب إيران دورًا كبيرًا في تعقيد العلاقات بين بغداد ودمشق. فقد فقدت طهران نفوذها في سوريا بعد سقوط الأسد، مما دفعها لتشديد قبضتها على العراق.
وفي هذا الجانب يقول الشمري: “في ظل العقوبات على إيران واحتمالية تصعيد التوترات الأمنية، قد تنأى بغداد بنفسها مؤقتًا عن طهران، لكن التأثير الإيراني يبقى حقيقيًا ومباشرًا عبر وسائل خفية، وهذا التدخل سيكون حاضرًا في المفاوضات العراقية- السورية”.
بدوره، يرى حسين أن “الضغوط الإيرانية تأتي عبر حلفائها في المنطقة، خاصة الفصائل المسلحة وبعض الأحزاب الراديكالية في الإطار التنسيقي، التي لا ترغب في تعزيز العلاقات بين بغداد ودمشق بسبب سياستها المناهضة للتغيير في سوريا”.
ويوضح أن: “مشروع إيران في الشرق الأوسط هُزم في سوريا ولبنان واليمن، وهي تعاني اليوم من أزمات اقتصادية وأمنية كبرى نتيجة مواجهتها مع الولايات المتحدة”.
ضغوط داخلية: تهديدات وتحركات
داخليًا، تواجه الحكومة العراقية تحديات جمة، حيث يشير الشمري إلى أن “بعض الفصائل المسلحة هددت باغتيال مسؤولين سوريين في حال زيارتهم بغداد، خاصة مع اقتراب القمة العربية في أيار/مايو 2025، مما وضع الحكومة في موقف محرج”.
ويضيف: “هذا دفعها لإرسال مدير المخابرات إلى دمشق وتسريع زيارة الشيباني لتقديم تطمينات”، فيما يرى حسين أن “التيارات المعتدلة في البرلمان والحكومة، مثل تيار الحكمة والنصر، تؤمن بضرورة توثيق العلاقات مع دمشق، مما يعزز التعاون الاقتصادي والسياسي”.
رسائل دمشق وآفاق التعاون
وتحمل زيارة الشيباني رسائل واضحة من دمشق، أبرزها أن سوريا الجديدة تسعى لتكون عامل استقرار وليس تهديدًا، مع التأكيد على عدم التدخل في شؤون العراق والمطالبة بالمثل.
وفي ذات السياق يقول الشمري: “إحباط محاولة انقلابية في الساحل السوري أثبت للعراق ودول الجوار أن النظام الجديد ليس ضعيفًا، مما فتح الأبواب لتعزيز العلاقات”، ويضيف: “من الحكمة أن يعمل العراق على ترطيب الأجواء مع دمشق، فمصلحة البلدين مترابطة”.
من جانبه، يؤكد حسين على الفرص الاستراتيجية، قائلاً: “سوريا مفتاح حيوي للعراق تجاريًا نحو البحر المتوسط عبر الموانئ وأنبوب النفط، ويمكن أن تنضم للقمة الثلاثية مع مصر والأردن لتحقيق تكامل إقليمي، وإذا انضم لبنان لاحقًا، فقد تشهد المنطقة ازدهارًا غير مسبوق”.
وأكد حسين على أنه: “لا ضغوط حقيقية تمنع العراق من تطوير علاقاته مع دمشق، فهي عضو في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية”.
ملفات مشتركة وتحديات مستقبلية
وتشترك سوريا والعراق في ملفات حساسة كالأمن ومكافحة الإرهاب، يقول حسين: “غرفة العمليات الأمنية المشتركة بين البلدين، التي أُنشئت خلال الحرب ضد داعش، لا تزال تعمل على تبادل المعلومات وتأمين الحدود، كما أن ملف مخيم الهول والسجون في شمال شرق سوريا، التي تضم عوائل وقيادات داعش، يتطلب تنسيقًا مستمرًا”، فيما يشير الشمري إلى أن “الموقف العراقي يتسم بالحذر، لكنه قد يتغير مع تراجع النفوذ الإيراني”.
وتُعد زيارة الشيباني إلى بغداد خطوة قد تؤسس لعلاقات أكثر استقرارًا بين العراق وسوريا، لكنها محاطة بتحديات داخلية وخارجية معقدة، فبين الضغوط الإيرانية والتهديدات المحلية من جهة، وفرص التعاون الاقتصادي والأمني من جهة أخرى، يبقى السؤال: هل ستتمكن بغداد من تجاوز هذه العوائق لتعزيز علاقتها مع دمشق؟