لأول مرة بعد سقوط الأسد: السوريون يحيون الذكرى الـ 14 لثورتهم

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

يحيي السوريون اليوم الذكرى الـ14 لانطلاق الثورة السورية منتصف آذار 2011، وهي المرة الأولى التي يحتفلون فيها بهذا الحدث التاريخي بعد سقوط نظام الأسد السابق في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.

وقبل أربعة عشر عاماً، خرج السوريون في مظاهرات سلمية مطالبين بالحرية والكرامة، ليواجهوا آلة قمع وحشية لم تتردد في إطلاق الرصاص الحي وتدمير المدن.

من هتافات مناهضة إلى انتفاضة شعبية

وما بدأ كهتافات مناهضة للأسد في عموم سوريا تحول إلى انتفاضة شعبية، ثم إلى صراع طويل مع نظام الأسد السابق، دفع فيه السوريون أثماناً باهظة من دمائهم وأحلامهم.

مئات الآلاف استشهدوا وملايين هُجّروا وتحولت مدن بأكملها إلى أنقاض تحت وطأة القصف الممنهج، لكن تلك الروح التي انطلقت في 2011 ظلت متأججة، محمولة في قلوب الثوار الذين صمدوا في بقعة جغرافية ضيقة شمال غربي سوريا، محاصرين بين الدمار والموت، حتى أشرق فجر النصر في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، حين سقط النظام السابق بعد معارك استمرت تسعة أيام، وفرّ رأس النظام بشار الأسد تاركاً شعباً عازمًا على استعادة وطنه.

واليوم، في شوارع دمشق وحلب وحمص وإدلب وحماة، تتزين الساحات بأعلام الثورة، وتعلو الهتافات التي كانت يوماً تهديداً لحياة من يرددها.

ولم تعد الاحتفالات مقتصرة على المنفى أو مناطق محدودة، بل بات صدى الثورة يتردد في كل زاوية، ويُكتب على كل جدار: “انتصرنا على الأسد، انتصرنا على الخوف”، هكذا يصف السوريون هذا اليوم، مؤكدين أن العدالة وإن تأخرت لا بد أن تتحقق.

عمل دؤوب لإعادة بناء سوريا

ورغم الفرحة العارمة التي تعمّ القلوب، يدرك السوريون أن إسقاط النظام لم يكن سوى الخطوة الأولى في مسيرة استعادة سوريا، فالحرب التي خلفها الأسد تركت وراءها دماراً هائلاً، من بنى تحتية منهارة إلى اقتصاد مدمر، فضلاً عن انقسامات اجتماعية تحتاج إلى وقت وجهد للشفاء، في حين تقع المهمة الكبرى الآن هي إعادة بناء وطن مزقته سنوات القمع والتهجير، وهي مهمة تتطلب رؤية واضحة وعملًا دؤوبًا لإعادة سوريا إلى مسارها الصحيح.

وقال فراس السقال، كاتب سياسي ومن سكان دمشق في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “مشاعر ورؤى السوريين اليوم بعد التحرير وسقوط المجرم بشار تختلف باختلاف التوجهات السياسية والتجارب الشخصية، وكذلك المناطق التي ينتمون إليها، ومع حلول الذكرى السنوية للثورة السورية المباركة تتجدد التساؤلات والأحلام والطموحات والأهداف حول مستقبل البلاد”.

وأضاف: “رؤية السوريين لبلدهم سورية الآن يسودها التفاؤل والسعادة والانتعاش، كما يتخللها بعض التوجس، والذي أراه طبيعياً جداً، لا سيما بعد كل ما عاناه شعبنا السوري خلال ستين خريفاً مضت، فالمتفائل حقّه أن يرى بلده من أفضل البلاد، والحذِر حقّه أن يحذر ويحتاط، والجميع في بوتقة التحدي والعطاء، ولا تتحقق الأمنيات والآمال إلى بالعمل والتكاتف والمحبة والعدالة، ولا يزول الحذر إلا بذلك أيضاً، فسبيل جميع السوريين على اختلاف توجهاتهم الاجتهاد والتفاني في خدمة هذا البلد العظيم”.

وختم قائلا: “جميع السوريين يعيشون في دهشة وفرح النصر وحالهم يتمثل في قول الشاعر:

حلم على جنبات الشام أم عيد
لا الهم هم ولا التسهيد تسهيد
أتكذب العين والرايات خافقة
أم تكذب الأذن والدنيا أغاريد”.

من جهتها، إيمان ظريفي، إحدى سكان دمشق، عبّرت في حديثها لمنصة سوريا ٢٤، عن فرحها بهذه الذكرى قائلة: “أربعة عشر عاماً وما برح الشعب السوري العظيم ينادي بالحرية التي تصدح بكل أرجاء العالم لم يكل ولم يتعب، وكان على يقين أن هذا اليوم سيأتي، وقد أتى، واليوم ستمتلئ الساحات بالسوريين، لكن بهتافات مختلفة ومطالب جديدة، إنها ولادة جديدة لسوريا، وتعاهدنا على بناء وطننا الذي أنهكه نظام الإجرام، وسنثبت للعالم أننا شعب يستحق العيش بكرامة وحرية، وأن الوطن هو أغلى ما نملك”.

لحظة مفصلية في تاريخ سوريا

في ريف إدلب، المنطقة التي صمدت كحصن أخير للثورة، احتشد الأهالي في الساحات ليحيوا ذكرى الثورة بأصوات لم تعد تخشى القمع.

ومن هناك، يرى عبد الكريم العمر في حديثه لمنصة سوريا ٢٤، أن هذا اليوم هو “لحظة تاريخية ومفصلية تؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ سوريا”.

ويضيف: “قد تكون هذه الذكرى من أجمل ما عاشه السوريون منذ خمسين عاماً. لقد أسقطوا نظام البعث والأسدين بعد ثورة استمرت 14 عاماً، ناضلوا فيها بكل قوة وثبات، لم يستسلموا ولم يخضعوا، وبقوا صامدين بعزيمة صلبة حتى جاء النصر، ومنذ ثلاثة أشهر، يحلم السوريون ببلد حر مستقل”.

وفي مدينة إدلب، التي كانت رمزاً للصمود والمقاومة، علت أصوات الأطفال والشباب وهم يرسمون على الجدران شعارات الحرية والأمل.

وفي السياق ذاته، قال ياسر الأطرش من إدلب في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “15 آذار 2011 كان يوماً عظيماً واستثنائياً، حيث قال السوريون لا للجلاد والاستبداد في وجه أعتى نظام في المنطقة، واليوم، هوم يوم خالٍ من الأسد والإرهاب، يصنع الشعب السوري نفسه بنفسه ويبني دولته بيده، متطلعاً إلى مستقبل مشرق ودستور عصري يعيد أمجاد سوريا، حيث انتهى حكم الفرد، وبدأ حكم الشعب، ولذلك سيظل هذا اليوم يتكرر كل عام، ونهنئ شعبنا بهذا الانتصار العظيم”.

وفي ريف حماة، حيث كانت الثورة تعاني من القمع الشديد، خرج الأهالي للاحتفال بذكرى لم يتخيلوا أن يحيوها على كامل الأراضي السورية.

وقال أحمد محمد، من سكان حماة في حديثه لمنصة سوريا ٢٤: “كان الاحتفال بهذه المناسبة يقتصر على مناطق شمال غرب سوريا، وهذا العام، المناسبة تعني سوريا بكل أراضيها، فنظام الأسد الذي أوهم السوريين أن الثورة هي سبب سوء وضعهم المعيشي والاقتصادي، اكتشفوا زيف هذا الادعاء بعد التحرير، وبدأوا يشعرون بما قدمته لهم هذه الثورة”.

سوريا الشعب تنهض من جديد

في كل مدينة وبلدة وقرية، تتزين الساحات بألوان الثورة، وتعلو الأصوات لتهتف لسوريا الحرة، فالسوريين اليوم لا يحتفلون فقط بانتصارهم على نظام الأسد السابق، بل يتطلعون إلى بناء دولة تستعيد مكانتها بين الأمم.

ورغم التحديات الشاقة التي تنتظرهم، يبقى الأمل هو الوقود الذي يدفعهم للأمام، مؤمنين أن الوطن الذي ضحوا من أجله لن يبقى أنقاضاً، بل سينهض من جديد بأيدي أبنائه.

مقالات ذات صلة